السبت، 23 فبراير 2013

سوريا سنة 1936 , المعاهدة الفرنسية –السورية , احتلال ناعم .



يمكن اعتباره سنة 1936  سنة دسمة بالأحداث و منعطف هام في تاريخ سوريا الحديث . فبعد الإضراب الستيني الذي دعت اليه الكتلة الوطنية ,كان له اثر على فرنسا التي ارسلت عرضا الى قادة الكتلة تدعوهم للذهاب الى باريس لمناقشة قضيتهم , فألقت الكتلة شعار (خذ و طالب) كشعار لمفاوضاتهم مع فرنسا  يقبلون فيها استقلالا يشبه استقلال العراق عن بريطانيا في ذلك الوقت تألف في 14/3/1936 وفد من9 اشخاص (5 مسلمين و 4 مسيحيين)  برئاسة هاشم الاتاسي رئيس الكتلة الوطنية ,وكان من اعضاء الوفد البروتستانتي المخضرم (فارس الخوري) و ايضا سعدالله الجابري و جميل مردم و ادمون الحمصي و مصطفى الشهابي و نعيم الانطاكي واحمد اللحام و ادمون الرّباط (1) . نلاحظ هنا ان فرنسا قبلت بالتفاوض مع الكتلة الوطنية فقط و التي كانت مع صراع او يمكن تسميتها (معارضة) لحكومة تاج الدين الحسني , وكان هذا الصراع الدائر بين حكومة تاج الدين الحسني و حزب الكتلة الوطنية كان قائما على الحزبية والسيادة و ليس بسبب العداء للفرنسيين , فجعلت فرنسا من الكتلة الوطنية متحدثا رسميا بإسم الشعب السوري عن طريق دعوتها الى باريس لمناقشة مستقبل سوريا , وبرغم علمانية الوفد الصارخة التي جعلت تقريبا نصف الوفد غير مسلما , الا ان الامر المثير للاهتمام هو تغييب شخصيات  ذات رأي ( و ان كان بعضها مواليا لفرنسا) في الحوار حول مستقبل سوريا (مثل تاج الدين الحسني و زكي و محب الدين الخطيب و حسن الحكيم وغيرهم) فربطت فرنسا مستقبل البلد كله بالكتلة الوطنية التي كانت كما سنرى بعد قليل على المسلمين أشد بطشا من على غير المسلمين . 

الوفد السوري المسافر لفرنسا من اليمين لليسار : فارس الخوري - هاشم الأتاسي - جميل مردم

بينما الوفد في فرنسا وصلت إليه انباء ان وزارة الخارجية الفرنسية تلقت مئات البرقيات من مسيحيي العراق و سوريا و لبنان ومصر تعلن قلقها قائلة (اليوم منعوا المسيحيين من شرب الخمور , غدا يمنعونهم من دق اجراس الكنائس نسترحم التشدد في حماية الاقليات في مفاوضاتكم مع الجانب السوري ) كان سبب هذه البرقية ظهور حركة دينية في حلب سمت نفسها (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)  قامت بإغلاق الخمارات و الكباريهات و تحطيم بعض منها ,و لما وصل الخبر الى سعدالله الجابري استشاط غضبا و غيظا و كتب رسالة عاجلة الى (جميل ابراهيم) عضو الكتلة في حلب قائلا في رسالته (بصفتي رئيس الكتلة الوطنية في حلب اكلفك بقطع لسان كل من يقول بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ان هذا الامر يضر بالمفاوضات و يجب ان تعلموا اننا لم نحصل على استقلالنا حتى تقوموا بهذه الافاعيل و حتى لو حصلنا عليه فلن نسمح بأمر من هذا القبيل) فأخذ جميل ابراهيم الرسالة ومعه وفد من انصار الكتلة و صار يطارد اصحاب الحركة و يكافحهم  , فاستحسن الجابري هذه الاعمال و ارسل وفدا يحمل عصن زيتون الى المطران الماروني مبارك الموجود في باريس لاسترضائه , وكان هذا المطران يطالب دوما بحماية الاقليات و بفصل لبنان عن سوريا (2). كانت غيرة النائب في الكتلة للأسف على المسيحيين اكبر من غيرته على المسلمين وشدته على هؤلاء الاخيرين لا تتساوى مع غيرهم , فبعد عودة الوفد الى سوريا , توجه (توفيق شامية) احد ممثلي الكتلة الوطنية الى الجزيرة لاستلام منصبه كمحافظ للمنطقة فقام الاشوريون بمنعه من دخول مبنى المحافظة و من ثم خطفوه , فما كان من سعد الجابري الذي كان وزيرا للخارجية و الداخلية معا وقتها الا ان اتجه الى هناك بسيارته لحل المسألة (سلميا) ولكن الاشوريين أسمعوه ما لا يليق واستقبلوه استقبالا رديئا, فعاد خائبا الى دمشق و بقي المحافظ مخطوفا حتى افرج عنه في وقت لاحق , كما انه حصلت في دولة العلويين محاولة اغتيال (احسان الجابري) شقيق سعدالله فهرب منها و بقيت دولة العلويين ايضا دون ممثل عن الحكومة اما في جبل الدروز  فقد انزل علم سوريا من دار الحكومة رفضا للكتلة الوطنية, و كل ذلك حصل تحت مرأى و مسمع الجابري , و لم يكن هناك للأسف اي غضب من قبل الجابري مثل غضبه على اخوانه المسلمين و ان كان خطؤهم اقل اهانة لسوريا مما ارتكب الاشقياء الاخرون (3).
سعد الله الجابري اول وزير خارجية و داخلية - احد مؤسسي الكتلة الوطنية

 في المفاوضات المستمرة ,حدث الكثير من (الاخذ و المطالبة) في باريس , فقد طالت المفاوضات حتى شهر شهر أيلول/سبتمبر (أي 6 شهور تقريبا) , في اثنائها علم النصيريون بأن دولتهم على وشك الزوال واندماجها مع الدولة السورية ,فقاموا بإرسال عدد من الخطابات الى رئيس الوزراء الفرنسي الماسوني  (ليون بلوم) ما بين 5-8 /6/1936 يطالبونه و يستجدونه في ابقاء الاحتلال الفرنسي و ابقاء دولة العلويين كان من ابرز الموقعين عليها (عزيز هواش ,محمد جنيد ,سلميان المرشد , سليمان اسد , محمد سليمان الاحمد (بدوي الجبل) ,صقر خير ,ابراهيم الكنج ) واخرين. (4) , ويقول المؤرخ الفرنسي (جاك فوليرس) بأن فرنسا تخلت عن انشاء الدولة العلوية لسببين رئيسيين اولهما ان الطبقات الشعبية لم تصل الى مستوى فهم الفرصة التاريخية لبناء دولة و السبب الثاني ان دولة العلويين كانت فقيرة جدا لتحمل اعباء مصاريف دولة ,فاضطرت فرنسا لضمها مع سوريا (5).
و بالحديث عن الدولة العلوية ,فقد شعر القوميون العرب بإنجاز كبير عندما تم تغيير اسمها من (دولة العلويين) الى (حكومة اللاذقية) في 15/4/1930 و بالرغم من ان ذلك اثار قلق النصيريين القاطنين فيها ,الا ان الدولة بقيت كما هي حتى بعد المعاهدة التي نصت على ضمها هي وجبل الدروز الى سوريا ,وكان المطالبون بالوحدة مع سوريا من الزعماء الثانويين ,ورد في احد التقارير السرية المرفوعة للخارجية الفرنسية بتاريخ 25/4/1936 "إن التنظيمات العشائرية السياسية تتألف من اربع احلاف عشائرية (الحدادون و الخياطون و الكلبية و المتاورة) والتي كان اعتمادنا عليها لتشكيل العمود الفقري للاستقلال الذاتي ,والتي يشكل زعماؤها الحاليون المجلس التمثيلي بدأت تفقد قدرتها ,كما اخذت الدعاية الوحدوية الدمشقية تستقطب الزعماء العشائريين الثانويين الطموحين كما ان انتشار التعليم الابتدائي صار يهدد الرابطة الباطنية القديمة التي لم يعد جهازها الوعظي الساذج يرضي الاجيال الجديدة" (6) مما يفسر اتجاه الجيل الجديد من النصيرية نحو الوصول للسلطة ليس عن طريق شعارات الطائفة بل عن طريق الشعارات القومية والوطنية , وكان هناك بعض النصيريين ممن طالبوا بالوحدة ,لكن تم ايضاح في مذكرة ارسلها المجلس التمثيلي بأن اولئك الذين يودون الوحدة لم يكونوا ليطالبوا بها لولا بعض الاعتبارات الناتجة عن المنافسة الانتخابية (7)  . وتشير البرقيات من وزارة الخارجية الفرنسية الى محاولة تهدئة و طمأنة النصيريين بشأن دولتهم و حصولها على استقلال ذاتي ضمن أطر تخفف من الثقل المالي الذي انهك الحكومة الفرنسية ,حيث يشير وزير الخارجية الفرنسية مخاطبا المفوض السامي في بيروت  الى الكتب المختلفة التي ترده من المجلس التمثيلي في اللاذقية والتي تطلب ارسال وفد يمثلها في باريس قائلا (انه من المستحيل طبعا السماح بهذا الطلب و ارجوا منكم ابلاغ (إبراهيم الكنج) ان كل المسائل التي تخص اللاذقية ستبحث في اوانها بين المفوض السامي و الممثلين المؤهلين للسكان ذوب العلاقة ,واني اذكركم بأن كل جهودنا يجب ان تتوجه نحو تجنب أي تعبير عن مطالب ليس لنا القدرة على الاستجابة لها)(8) , فعندما رأى النصيريون ان دولتهم توشك على الاندماج بسوريا أرسلوا عريضة رفعها رئيس المجلس التمثيلي في محاولة اخيرة  الى وزير الخارجية  يطلبون الاندماج مع لبنان بدلا من سوريا رافضين الوفد السوري ان يمثلهم في باريس (9)و لكن الدمج تم حسب المعاهدة , على انه كان دمجا صوريا ,حيث كانت دويلة الدروز و النصيريين خاضعتان للدستور السوري ,الا انهما يملكان نظاما اداريا واقتصاديا خاصا بهما , ولم يتم الدمج فعليا الا عام 1943 .وفيما يتعلق بسياسة الكتلة نحو الأقليات فقد كانت مبالغة جدا في تطمينها من اجل اعطاء صورة للغرب بأن الكتلة سوف تحفظ حقوق هذه الأقليات و تضمن سيادتها ضمن اقليتها و ضمن الوطن ايضا , من ذلك انه عند زيارة مطران دياربكر (ملاتيوس) لمكتب الكتلة الوطنية في 31 /3/1936 (أي اثناء المفاوضات) اصدرت الكتلة على الفور بيانا ابدت فيه استعدادها لاحترام و تأييد جميع حقوق الطوائف غير منقوصة كاملة , كما يذكر (بيير فابينو) وكيل الخارجية الفرنسية أن الوفد المفاوض التزم قبل فرنسا و حتى عصبة الامم بحقوق الأقليات , كما قدّم رئيس وزارة سوريا (جميل مردم) في مراسلاته مع (دي تسيان) ضمانات اضافية للاقليات و اخفاها عن الوزارة و البرلمان سنة كاملة (10)
هوية احد المواطنين المسيحيين ايام دولة العلويين 1920-1936

بعد توقيع المعاهدة بين وزارة الخارجية الفرنسية و الكتلة الوطنية, و التي قيدت كثيرا من سيادة سوريا , بل انها كانت استقلالا منقوص السيادة ان لم نقل خال من اهم معاني السيادة ,فقد أبقت المعاهدة على الحقوق الفرنسية في تحريك جيشها في أي مكان على ارض سوريا و ضمت (شكليا) محافظتي اللاذقية و جبل الدروز (والتي تخلى عنها الفرنسيون اصلا بسبب تكاليف ادارتهما الباهظة) (10) , واعترض كثيرون على المعاهدة التي سببت فيما بعد شقاقا عظيما بين الكتلة و غيرها من الاحزاب على رأسها حزب (عبدالرحمن الشهبندر) والتي قال عنها الشهبندر "إن هذه المعاهدة قالت بانتهاء الاحتلال و لكن في المقابل ان تعترف لفرنسا في أن تحتل بلادنا برا و جوا في السلم و في الحرب) و قال محب الدين الخطيب "بهذه النصوص احتفظت فرنسا لنفسها بحق احتلال المسلح لأي بقعة شاءت في أي ساعة شاءت لمدة ربع قرن على الاقل "(11) و تم استبدال اسم (المفوض السامي) بإسم (سفير فرنسا) و كان السفير الفرنسي هو نفسه المفوض السابق (هنري دو مارتيل) . ومن المفارقات ان هذه المعاهدة كما يقول نقيب الصحفيين السوريين عنها "ان السماء ساعدت في تمهيد الطريق الى عقدها (أي المعاهدة) في نجاح الجبهة الشعبية الفرنسية في الانتخابات وسيطرتها على الاوضاع" (12) فكان للاشتراكيين و الشيوعيين دور رئيسي ايضا في توقيع هذه المعاهدة التي تمت تحت حكم رئيس الوزراء الشيوعي وقتها (ليون بلوم) .
توقيع المعاهدة الفرنسية السورية - ليون بلوم وهاشم الاتاسي يوقعانها


الثلاثاء، 19 فبراير 2013

تاريخ سوريا من 1926-حتى اواخر 1935



بعد انتهاء الثورة السورية الكبرى في اواخر عام 1926 , حدث خلالها تعيين المفوض الفرنسي هنري دو جوفونيل (1925-1926)  الذي حاول مع (تاج الدين الحسني) ليستلم رئاسة البلاد بدلا عن( صبحي بركات) المستقيل احتجاجا على تقليص سلطاته , و تفاوض الحسني على عدة شروط رفضها المفوض الفرنسي , فقام الاخير بالاتصل بهاشم الاتاسي و هنانو فرفضا هما الآخران حيث كانا يرفعان شعار (لا تفاوض قبل الجلاء) (1) بالرغم من ان هذا الشعار اسقط لاحقا من حساباتهم و أبدوا استعدادهم للمشاركة في الانتخابات (2) بل ان هاشم الاتاسي كان رئيس اللجنة الدستورية عام 1928. فأحضر دو جوفونيل شخصا شركسيا من بيروت هو (الداماد احمد نامي) و كلمة (داماد) تعني بالفارسية (الصهر) حيث كان صهر السلطان عبدالحميد الثاني وكان شخصية ضعيفة جدا امام الفرنسيين, فشكل حكومة كان من بينها (فارس الخوري ,يوسف الحكيم ,شاكر الشعباني و حسني البرازي) لكن لم تستمر حكومته طويلا فبعد ذهاب دو جوفونيل الى باريس حيث تم استدعائه ,قام الفرنسيون بقصف حي الميدان في دمشق و احراق العديد من منازله  و نشروا (قوات الشرق الخاصة) التي اخذت بإطلاق النار عشوائيا على كل هارب سواء كان طفلا ام امرأة و قصف الحي بالطائرات فاستقال بعض اعضاء الحكومة احتجاجا وتم نفيهم الى الحسكة  , وفي فرنسا تم تعيين المفوض (هنري بونسو) والذي كان اطول  المفوضين بقاء في سوريا حيث بقي 7 سنين متتالية (1926-1933) فقام بتعيين تاج الدين الحسني رئيسا للحكومة في 1928 و اجتمعت لجنة تأسيسية لكتابة الدستور السوري و بعد أن أقرته اعترض (بونسو) على بعض المواد وطلب حذفها  واضافة مادة تقوم بتقييد الرئيس (المادة رقم 116 الشهيرة) فرفض النواب و لكن الحسني وقف مع رأي المفوض , والسبب في ذلك هو اكتشافه ان اغلب النواب يرغبون بإبراهيم هنانو رئيسا للجمهورية بدلا عنه فتباينت مواقفه مع (الوطنيين) و حصل الخصام بينهم , ولكن هذا الدستور وافق عليه الاتاسي لاحقا بكل مواده بعد توقيع المعاهدة الفرنسية سنة 1936.(3)
تاج الدين الحسني و المفوض الفرنسي هنري دو جوفونيل

 في هذه الفترة سمحت فرنسا للأحزاب السياسية بالعمل , فتشكلت (الكتلة الوطنية) التي تكونت من بعض اعضاء حزب الشعب المنحل بعد فرار زعيمه الشهبندر الى مصر, وبعض السياسيين الوطنيين حيث تم الاجتماع في حمص بتاريخ 4/11/ 1932 وكان من مبادئها نشر القومية و انمائها و (تغذيتها) و منع تشكيل احزاب سياسية اخرى وذلك من اجل تجميع الجهود (وهذا كان له اثر سلبي لاحقا عند عودة الشهبندر) , فتم اختيار هاشم الاتاسي رئيسا و ابراهيم هنانو (زعيما؟) وسعدالله الجابري و جميل مردم و شكري القوتلي و عبدالرحمن الكيالي و فارس الخوري كأعضاء دائمين , اما باقي الاعضاء فكانوا 33 بالاضافة للدائمين كان منهم (ميخائيل اليان ,ونسيب البكري و ناظم القدسي و رشدي كيخيا و فائز الخوري و نعيم الانطاكي وفخري البارودي) (4) وتم الاتفاق على ان تكون هناك انتخابات عامة للرئاسة , لكن حصل فيها التزوير فأراد هنانو وبعض من معه مقاطعة المجلس لكن فائز الخوري وشقيقه فارس و هاشم الاتاسي و جميل مردم قالوا بالكفاح من داخل المجلس و ترأس وفد حزب الكتلة الوطنية وقتها (فارس الخوري) للمشاركة في الانتخابات و التي فاز بها (محمد علي العابد) في 9/6/1932 , وبذلك كان اول رئيس يعتبر منتخبا في تاريخ سوريا لكنه كان رئيسا صوريا فقط. وتم تعيين حقي العظم (الموالي بشدة للفرنسيين) رئيسا للحكومة و كان الانتخاب قد تم بينما المدافع كانت قد نصبت حول دمشق استعدادا لأي عمل يمكن ان يقوم به الاهالي(5) .  و تم  تأسيس (الحزب القومي السوري) برئاسة انطون سعادة (لبناني) وهو حزب فاشي متطرف ارتبط اسمه كثيرا بالاغتيالات واعمال القتل السياسي ومحاولات الانقلاب العسكري , و ايضا ظهر اسم خالد بكداش كممثل للحزب الشيوعي في سوريا مدعوما من الحزب الشيوعي الفرنسي وكان معظم اعضائه من الاكراد الذين يعرفهم بكداش, كذلك تم انشاء حزب (عصبة العمل القومي) التي كانت على خلاف في اغلب الاحيان مع (الكتلة الوطنية) . في تلك الاثناء كانت الحكومة الفرنسية  تحاول تغيير ديموغرافية البلد باستجلاب مسيحيين ارمن و يونانيين, ففي نهاية عام 1932 بلغ عدد اللاجئين المسيحيين الذين دخلوا سوريا  قرابة 120 الف مهاجر تم توطينهم في شمال سوريا و منطقة الجزيرة (6).
في منتصف 1933 ذهب المفوض (بونسو) الى باريس و كان قد سبقه الى هناك صديقاه (تاج الدين الحسني) و (صبحي بركات) وكان بونسو قد استنجد بهما ليدعما منصبه  لدى الوزارة بعد ان استشعر بخطر تغييره  ,ولكنه لم يفلح في ذلك فتم نقله الى المغرب و تعيين (الكونت دو مارتيل 1933-1938) بدلا عنه وذلك بعد ان احست الدولة الفرنسية بطول المفاوضات التي كان يقوم بها (بونسو) .و عند مجيئ المفوض الجديد تم استقباله استقبالا حافلا و كان من ضمن الذين استقبلوه (الكتلة الوطنية) حيث قدم من بيروت و عاد اليها لاحقا بعد 3 ايام و بقي يتنقل بين العاصمتين . قام دو مارتيل بمحاولة تمرير معاهدة بين فرنسا و سوريا تقوم بتقييدها اكثر , فانسحبت الكتلة الوطنية من حكومة (حقي العظم) و رفعت مجددا شعار (لا تعاون ولا تفاوض) ولكن هذه المرة وضعوا شرط (قبول فرنسا بوحدة سوريا) فوضع المفوض بدلا من مردم و رسلان (العضوين المنسحبين ) كلا من شاكر الشعباني و سليم جنبرت , ومن الامور الغريبة التي حصلت ان سليم جنبرت بالرغم من وضعه كوزير اشغال عامة في حكومة اعتبرها الناس عميلة للفرنسيين الا ان اراء الناس تغيرت بسرعة بعد ان رفض سليم جنبرت المعاهدة الفرنسية مخاطبا المفوض الفرنسي قائلا (إني احب فرنسا و لا يمكن الطعن في عاطفتي نحوها و لكن هذه المعاهدة ستجر عليكم المصائب) بعد عودته الى حلب خرج الناس في من الجامع الاموي يحملونه على الاكتاف وهم يهتفون (لا اله الا الله سليم جنبرت حبيب الله) بالرغم من ان سليم جنبرت كاثوليكي , وكان الناس وقتها للأسف يقبلون بأي نوع من التنازل و يعتبرونه انتصارا مبهرا , فبعد التنازل عن مبدأ (عدم التفاوض مع المحتل) الى التنازل عن مبدأ (عدم القبول بالانتخابات المزورة) الى التنازل عن مبدأ (مقاطعة الوزارة المعينة فرنسيا) , اصبحوا فرحين بعدم توقيع معاهدة مع المحتل , و من المثير للسخرية انه لاحقا تم توقيع معاهدة اشد منها في حكومة جميل مردم بعد اقل من 5 سنوات ! , و كذلك من الامور المماثلة ايضا ان (صبحي بركات) المعين من الفرنسيين كرئيس لمجلس النواب قام بإثبات رفض نواب المجلس للمعاهدة الفرنسية السابقة, ففرح الناس بذلك واخذوا يتدفقون على بيته و يهتفون بحياته , وهو الذي كان يتعقب الثوار وابراهيم هنانو حتى القبض عليه ,و الذي ايضا تم قصف دمشق اثناء وجوده كرئيس صوري للحكومة و بقائه بها اكثر من 3 سنين بعد ذلك , و أصبحوا يعتبرونه رجلا وطنيا صالحا لموقف لا يقدم ولا يؤخر (7).
(من اليمين لليسار) جميل مردم عضو الكتلة الوطنية - المفوض الفرنسي الكونت دو مارتيل - عضو الكتلة الوطنية شكري القوتلي

قامت فرنسا بإقالة (حقي العظم) و( محمد العابد) ووضعت حكومة جديدة برئاسة (تاج الدين الحسني) تضمنت اسماء بارزة مثل( حسني البرازي و جميل الالشي و عطا الأيوبي) و ذلك في 7/3/1934 بعد ان بقي حقي العظم رئيس حكومة على عهدي المفوضين (بونسو و دومارتيل ) , وكانت وزارة (تاج الدين الحسني ) اطول الوزارات عمرا في فترة الانتداب حيث استمرت (24) شهرا , قامت خلالها فرنسا بجلب المزيد من المسيحيين و لكنهم هذه المرة كانوا آشوريين وكانوا بضع مئات من العائلات (500 عائلة ) وعندما احتج السوريون على ذلك ,تعللت فرنسا بأن القرار تم اتخاذه من( عصبة الامم المتحدة )و أن الشكوى تقدم اليها و ليس لفرنسا , كما تمت محاولة جلب بعض اليهود لإسكانهم في انطاكية و لكن هذا المشروع تم توقيفه لاحقا .(8) في اواخر عام 1935 قام السوريون بالإضراب المشهور (الاضراب الستيني) الذي استمر شهرين متواصلين احتجاجا على الممارسات الفرنسية و الذي اثار اعجاب العالم كله و كان ذلك الاضراب اكثر صفحات سوريا الحديثة بياضا , فقد تضامن العالم الاسلامي معهم ,فأضرب طلاب الازهر في مصر و ارسلوا برقية احتجاج لعصبة الامم كما أرسل مجلس الشيوخ العراقي و مجلس النواب برقيات مماثلة ايضا لعصبة الامم  ,و زار وفدٌ من مجلس الشيوخ العراقيين دار المفوضية الفرنسية ليسجلوا احتجاجهم، وأضربت المدن اللبنانية تضامنا مع سوريا و أٌرسلت برقيات احتجاج إلى عصبة الأمم باسم مدن بيروت وطرابلس وصيدا وصور وجبيل وغيرها، وأضربت انطاكية ايضا، ودعا الحزب العربي الفلسطيني في القدس بالإضراب تأييداً للسوريين , و يصف الشيخ (علي الطنطاوي) رحمه الله تلك الايام في دمشق قائلا "لا تجد فيها حانوتاً واحداً مفتوحاً مقفرة أسواقها... فتعطلت تجارة التاجر، وصناعة الصانع، وعاش هذا الشعب على الخبز القفار، وطوى ليله من لم يجد الخبز، ثم لم يرتفع صوت واحد بشكوى، ولم يفكر رجل أو امرأة أو طفل بتذمر أو ضجر، بل كانوا جميعاً من العالم إلى الجاهل، ومن الكبير إلى الصغير، ا رضين مبتهجين، يمشون ورؤوسهم مرفوعة وجباههم عالية، ولم نسمع أن دكاناً من هذه الدكاكين قد مُسَّ أو تعدى عليه أحد، ولم يسمَع أن لصاً قد مدَّ يده خلال هذه الأيام إلى مال، وقد كانت الأسواق كلها مطفأة الأنوار ليس عليها حارس ولا خفير"(9) .

 يمكن ملاحظة في فترة الثلاثينات, أن سياسة فرنسا المعادية للمسلمين السنة خفت وتيرتها بعد أن كانت تجند ابناء الاقليات من النصيرية و الاسماعيليين والدروز والشركس و غيرهم , فقامت سياسة بونسو و من بعده (دو مارتيل – 1933-1938) بالتقرب أكثر من المسلمين السنة عن طريق افتتاح كلية حربية لهم في حمص سنة 1932 و ايضا اجراء المفاوضات مع الوطنيين من اجل ضم دويلة العلويين و الدروز الى حكومة دمشق وحلب وذلك  بسبب ارتفاع تكاليف ادارتهما الباهظة على الفرنسيين (10).و ربما يعود ايضا سبب تغيير سياسة فرنسا نحو اللين اكثر من التشدد  واتجاهها نحو تسكين السوريين و المماطلة اكثر معهم,  هو الخطر الذي بدأت تلوح معه الحرب في الافق  بعد ان اشتد ساعد النازيين بوصول( ادولف هتلر) للحكم منذ عام 1933 و بدء سباق التسلح الالماني , والذي غير كثيرا من المعادلات وقتها .

الثلاثاء، 12 فبراير 2013

تاريخ سوريا من بداية عهد الانتداب 1920 حتى نهاية 1926 .




بعد الخروج المهين لفيصل بن حسين من سوريا , بدأت فترة ما يعرف بعهد الانتداب الفرنسي ,فأمر المندوب السامي بجمع الأموال و الأسلحة من المدنيين و اصدر حكما بالاعدام على عدد من الاشخاص المتهمين بالعداء لفرنسا كان منهم كامل القصاب و خيرالدين الزركلي و احمد مريود و إحسان الجابري و غيرهم العشرات .وتم القبض على ضباط الجيش و نفيهم الى ارواد .(1) و كان دخول غورو لدمشق تملؤه الغبطة التي لم يستطع ان يخفي بسببها ما في قلبه حيث وقف على قبر صلاح الدين الأيوبي ليصرخ على القبر قائلا (ها نحن صلاح الدين !) (2).
قامت فرنسا وقتها بإعلان 5 دويلات اولها كان دولة لبنان الكبير في 1/9/1920 و الثانية دولة حلب في 8/9/1920 و تلتهما دولة العلويين في 23/9/1920 و دولة الدروز في 20/4/1921 و تأخر انشائها لأن الدروز في 20/9/1920 اجتمعوا في السويداء لإخراج دستور من 12 مادة تتعلق بأمور القضاء و الادارة و الاقتصاد و قد أرسلوها للجنرال غورو فوافق عليها و اصدر مرسوما في 20/4/1921 للأمير سليم الاطرش بأن يكون هو رئيس الدولة (وكان سابقا ضابطا في الجيش العثماني) و انتخبه الدروز كرئيس في اجتماع عقدوه في 1/5/1921 (3)وقد فرح الدروز بوعد فرنسا لهم بإقامة دولة لهم عندما قدم غورو الى بيروت سنة 1919 فأرسلوا مواكب الفرسان للمفوضية ليشكلوا الحرس الخاص بغورو, و كان الدروز قد طمأنتهم بريطانيا الى ان دولتهم ستتحقق خاصة بعد أن أوحت لزعماء الدروز بأن لبنان و سوريا سيكونان من نصيب فرنسا , فقبلوا بالانتداب مقابل دولتهم (4). 

و عينت فرنسا صبحي البركات رئيسا لدولة حلب بالرغم من أنه من أهل انطاكية و كان بركات حارب الفرنسيين في البداية لكنه بعد الهدنة بين الفرنسين و الاتراك قام بنفس ما قام به صالح العلي حيث انه القى سلاحه و لم يحاربهم ,بل انه انقلب ليتعقب ابراهيم هنانو لبقيض عليه, و ادعى لاحقا انه من احفاد الصحابي خالد بن الوليد فسمى نفسه بالخالدي (5) . و قد درجت فرنسا في سوريا على جعل السياسيين من وزراء و رؤساء مجرد موظفين اداريين مجردين من أي سلطة فعلية و جعلت تلك السلطة في يد الجيش , الأمر الذي ترك أثره الواضح في سوريا على مدى العقود التي تلت جلاء المحتل .
و من السياسات التي اتبعتها فرنسا ايضا هي سياسة محاباة و تفضيل الأقليات ,و كانت في سياستها هذه تعتمد على نظرية مستشار المفوضية العليا (روبير دوكاي) الذي كان يقول بأن بلدان الشرق لم تقم على أسس قومية بل على اسس دينية بحتة و أنه يتعين على فرنسا ان تستوعب اختلافات الأديان و الأعراق و جمعها في اتحاد فيدرالي تشرف عليه فرنسا , كما أنها بالإضافة لذلك كانت تستخدم هذه النظرية لمواجهة الأمريكيين الداعمين للفكر القومي و البريطانيين الداعمين لفيصل بن حسين أي انها كانت في منافسة مع الامريكيين و البريطانيين على النفوذ في سوريا. فسياسيا قامت بتشكيل دولة العلويين و جعل عاصمتها اللاذقية بالرغم من انها مدينة لا يوجد فيها نصيري واحد, واعطت منطقة حوران للدروز و نسبة الدروز فيها لا تتعدى 2,2% كما استجلبت مئات العائلات الآشورية من العراق و تعللت بأن ذلك قرار من الامم المتحدة لا يمكنها رفضه كما أنها جلبت اكثر من 120 الف ارمني وقامت بتوطينهم في شمال سوريا وبالأخص حلب التي تم توطين 15 الف ارمني فيها في عام 1922 (6) .
اما عسكريا , فقد أنشأت فرنسا ما يعرف ب(قوات الشرق الخاصة) في عام 1924 و كانت اغلبيتها من النصيرية و الاسماعيلية و الدروز و الشركس ,و التي اصبحت لاحقا بعد الاستقلال نواة الجيش السوري(7) .حتى ان عبدالحميد السراج رئيس المخابرات عام 1955 فوجئ عندما وجد أن اكثر من 65% من صف الضباط هم من النصيرية (8)
كما بعث الجنرال (هنري غورو) ببرقية لوزارة الخارجية الفرنسية قال فيها( وأفيدكم بهذا الصدد أن النصيريين الذين يستيقظ حسهم الإقليمي الذاتي منذ لم يعد الأتراك هنا لتذويبهم مع المسلمين قد ساعدوني كثيرا في قمع الفتنة التي اثارها الشريف والدنادشة في تل كلخ , وقد تلقيت برقية تفيدني بأن 73 زعيما نصيريا يتحدثون بإسم جميع القبائل يطالبون بإنشاء اتحاد نصيري مستقل تحت حمايتنا المطلقة) , وتؤكد الوثائق البريطانية في تلك الفترة بأن غالبية العلويين كانوا يفضلون استمرار النفوذ الغربي في سورية ويفضلونها على مشاريع الاستقلال (9) وبالنسبة للدروز فقد كان الحرس الخاص لغورو  من جبل الدروز الذين تم تعيينهم بمعرفة (متعب الأطرش) (10) في حين بدت الاكثرية المسلمة خاصة من العائلات الثرية محجمة عن الزج بأبنائها في الجيش الذي اعتبروه أداة بيد المحتل (11) .كما ان احد العوامل التي دفعت لوجود اكثرية الجيش من تلك الاقليات هو فقرها المدقع وجهلها الذي جعلها تجد في الانخراط في الجيش رفاهية مقارنة مع مناطقهم.

بالعودة للأحداث السياسية , بعد اخماد عشرات الثورات بدأ السوريون بتأسيس احزاب سياسية كان اولها (حزب الشعب) الذي تأسس سنة 1922 وقتها برئاسة (عبدالرحمن الشهبندر) و من اعضائه الرئيسيين (حسن الحكيم ,و لطفي الحفار و فارس الخوري) (12) و  لكنه اوقف بعد الثورة السورية عام1925 بعد هروبهم وحل الحزب. و قد كانت شرارة تلك الثورة يعتقد انها في جبل الدروز حيث استلم الكابتن (كاربييه) منصب مستشار دولة الدروز بدلا عن الكوماندان (ترانكا) , وبدأ (كاربييه) باستخدام سياسة فجة و فظة مع الدروز الذين استغربوا من الامر و بدأوا يرسلون الشكاوي إليه ويسترحمونه و لكنه لم يهتم بهم , وتواصلت الوفود من الجبل الى الجنرال (موريس ساراي) المفوض الفرنسي وقتها للاستفسار عن سبب تغير معاملة الفرنسيين


المفوض السامي موريس ساراي 1925م
 و لكن لم يكن لها نتيجة , حتى بدأ (كاربييه) باعتقال بعض زعماء الجبل و ارسالهم لتدمر و الحسكة و محاولة اعتقال سلطان الأطرش التي أدت بعد عدة أيام الى تمرد سلطان الأطرش و استنفاره لقومه في 21/6/1925 و كانوا يصيحون وقتها (فليسقط كاربييه الظالم ,وليحيا رينو العادل) (13) و كان لاضطهاد الفرنسيين للدروز علاقة بكون جزء منهم متحالف مع البريطانيين , فقد كان جزء من الدروز يرغب بالانضمام لامارة شرق الأردن الواقعة تحت سلطة البريطانيين , وكان هؤلاء الآخرون يدعمون الدروز عن طريق شرق الاردن و ذلك لتلقين فرنسا درسا بسبب الشروط المجحفة التي فرضتها على الالمان في فاراساي , حيث اعتبرت بريطانيا تلك المعاهدة انذار بحرب عالمية ثانية (14) كما صرح ديغول في وقت لاحق مخاطبا السفير البريطاني في باريس بأنه يعتبر بأن البريطانيين يقفون وراء جميع المشاكل في دول المشرق, وبأنهم يسعون إلى إضعاف النفوذ الفرنسي في الشرق (15) . و قد حاول القادة الوطنيون وقتها التنسيق مع الدروز لدخول دمشق , لكن الدروز خذلوهم بعد معركة المزرعة و امتنعوا عن التقدم نحو دمشق و فضلوا المفاوضة مع الفرنسيين على تعيين حاكم فرنسي جديد يرضاه الدروز مع عدم تسليم اسلحة الدروز او معاقبة أي احد منهم و يعترف بذلك عبدالرحمن الشهبندر في مذكراته (16) .
في تلك الفترة كان حسن الخراط و محمد الخطيب في غوطة دمشق يجاهدون المستعمر في دمشق فدخلوا الشاغور وحي الميدان و استولوا على مخافر الدرك و حاصروا ساراي في قصر العظم فقامت المدفعية الفرنسية بقصف المدينة لفك الحصار عن الجنرال (17) وفي وقت لاحق اثناء الثورة اعتقلت شخصيات في حلب مثل سعد الله الجابري و احمد الرفاعي ومنير العمادي وغيرهم فتظاهر الناس, فأطلقت حامية القلعة النيران عليهم فقتلت منهم ما ينيف عن 80 شخصا و جرح 200 و أنزل الجنود الى الشوارع ليعملوا سيوفهم في المتظاهرين حتى شتتوا شملهم (18) . لكن هناك جانب آخر في أن سبب الثورة هو الشيخ (بدر الدين الحسني) الذي يقول عنه الاستاذ(محمد رياض المالح) "لقد رحل مولانا المحدث الاكبر ضمن المدن الشامية يحض الناس على الثورة ضد الفرنسيين ,حيث زار حمص و حماه و ادلب و بعلبك و بيروت و ريف دمشق في الفترة ما بين 7/6/1925 حتى 28/6/1925 حيث عاد من حلب في ذلك التاريخ, و بعد ان اشتد العدوان الفرنسي هدد الثوار بإعلان خلافة إسلامية تحت لواء (بدر الدين الحسني)(19) ,و يضيف الشيخ (علي الطنطاوي) رحمه الله قائلا "وكانت هذه الجولة (أي جولة الشيخ الحسني) الشرارة التي اشعلت الثورة , ولا اقول هذا من عندي ولا نقلا عن الثقات العارفين فكلهم يعرف هذا , ولكن انقله عن تقرير رسمي لمندوب المفوض السامي نشرته جريدة (الأحرار) في بيروت العدد 678 الصادر في الثاني من شعبان سنة 1354 هـ و قال الشيخ محمد (ربما يقصد الشيخ محمد رشيد رضا) في مذكراته وقد وضعت كلامه بين قوسين ((وصار تشكيل جماعات لأجل ان تقوم البلاد بمساعدة بعضها البعض على الفرنسيين ,وانا العبد الفقير كانت وظيفتي ان احمل مصحف و خنجر و نحلف الناس , والله حلّفت مقدار 4 الاف من صنف الزكرتية و الرجال المشهورة مثل ديب الشيخ و أبو شاكر القلعجي من العمارة و حسن الخراط و ابو حامد الفحل و ابو عنتر من الشاغور , و عبدالوهاب الرجلة والاغواني من سوق ساروجا و ابو داوود الشيخاني و ابو عمر ديبو من حارة الأكراد)) هؤلاء الذي سماهم فتوات الاحياء كما يقال في مصر او القبضايات كانت لهم مزايا الفرسان ينجدون الضعيف و يمنعون الظلم و يحمون اعراض النساء"  (20) , ويؤكد (اسعد الكوراني) هذا الكلام قائلا في مذكراته " وذكر لي صديقي المرحوم صبحي قناعة لما تعرفت إليه حينما اخذت ازاول المحاماة ,وكان قد رافق اباه في معركة الجهاد أن أباه قد اشترك فيها ديانة على انه فريضة مفروضة على المسلم , وروى لي ما ذكرته عما وقع في ساحة المعركة وكان قليلا من كثير . ويبدو أن هذا الذي جرى في حلب هو ما جرى في سائر المدن السورية بشيء من الفروق ولا سيما دمشق , و قال المرحوم صلاح الدين الخطيب وكان من القضاة انه اشترك في حرب ميسلون على اساس ان الجهاد من فرائض الدين الاسلامي و كان كثيرون مثله , أما المسيحيون فلم يشتركوا في شيء من القتال "(21) و للحقيقة فإن الجوامع و خطب الجمعة و دروس المساجد كانت المحرك الرئيسي في الثورة حيث ان عامة السوريين لم يكن لديهم اهتمام بالفلسفة القومية و نظرياتها.

و هكذا انتهت ما يعرف بالتاريخ بالثورة السورية الكبرى في اواخر سنة 1926 بعد احتلال القوات الفرنسية لاحقا لمراكز الغوطة و هروب الشهبندر لمصر مع بعض اعضاء حزب الشعب , كما هرب ايضا سلطان الأطرش للاردن حيث اعطاه هناك امير الاردن عبدالله لقب (باشا) و احتفل به(22) .

سلطان الأطرش و صديقه عبدالرحمن الشهبندر