كان اول نصيري تم التخلص منه هو محمد
عمران لاستعجاله في تنفيذ المخطط وانكشاف امره فتم نفيه الى لبنان , فبقي في
السلطة رأسان كبيران هما صلاح جديد و حافظ وحش.
كان صلاح جديد قد اعتزل منصبه في عام
1965 كرئيس للأركان ليصبح الامين العام للقيادة القومية والقطرية ,لكن بالرغم من
ذلك فقد تمتع بنفوذ قوي من خلال علاقاته الشخصية داخل المكتب العسكري للحزب.
وبينما كان صلاح يضم الكثير من المدنيين النصيريين كان حافظ من خلاله موقعه كوزير
دفاع استطاع ان يجذب العدد الاكبر من الضباط النصيرية ويستميلهم اليه حيث انه منذ
تعيينه كقائد عام للسلاح الجوي (1964) قام بتكثيف عملية تعيين الضباط النصيريين في
شواغر ما بعد انقلاب على امين الحافظ 1966 (1) وكان هناك صراع خفي بين حافظ و جديد
على السلطة بالرغم من ان صلاح جديد كان المسيطر على الامور وقتها ,ولم يظهر خذا
الصراع على السطع الا بعد سقوط الجولان 1967 ,و يرجح ان الاختلاف كان على السياسات
الداخلية و الخارجية و كذلك الاقتصادية والاجتماعية (2) ,ثم اصبحت الاختلافات اكثر
وضوحا بين جديد و الوحش على مستوى المؤتمرات مثل مؤتمر دمشق في الشهرين 9 و 10 من
1968 حيث ظهر اتجاهين احدهما معظمه من المدنيين يرون اولوية في(التحول الاشتراكي
الفوري للمجتمع السوري) وكان على رأسهم صلاح جديد ومعه عبدالكريم الجندي ويوسف
زعيّن وابراهيم ماخوس ,وايضا كانوا يعارضون أي تعاون مع الدول العربية التي تصفها
بالرجعية و اليمينية , والاتجاه الثاني كان يمثله حافظ وحش ومصطفى طلاس(كلبه
المدلل) وكان يرى التركيز على سياسة التعاون مع الدول العربية بغض النظر عن
السياسة من اجل كسر عزلة سوريا السياسية,ولكن جديد وجماعته عارضوا بشدة تلك
الاقتراحات واستطاعوا وقتها السيطرة بالشعارات الاشتراكية على ذلك المؤتمر.
ولم يكن الوحش موافقا على ذلك الاتجاه
ابدا وتجلى ذلك بوضوح من خلال تغيبه عن المؤتمرات ثم استقالته لاحقا من الحزب و
التفرغ للسيطرة على الجيش, ونادى لاحقا بعزل الجيش عن السياسة الا من خلال اوامر
وزير الدفاع (أي هو) واصدر تعليمات بمنع توزيع تعليمات القيادة القطرية على الضباط
الا بعد موافقته وقام بالتخلص من بعض انصار جديد من الجيش ,فنجح حافظ بالفعل في
عزل الجيش عن الحزب و تمكن من السيطرة جهاز الحزب والمناصب المدنية و نشأت
ازداوجية السلطة وانقسامها بين الحزب المدني و القوات المسلحة (3). و تفاقم الصراع
اكثر بين انصار حافظ و صلاح حيث في شباط/فبراير 1969 حاول انصار جديد تصفية نفوذ
حافظ وحش في اللاذقية ,بينما تم نقل بعض انصار جديد في الجيش لاماكن غير مهمة في
القوات المسلحة (4) واحتدم الموقف أكثر بعد ان احتلت قوات حافظ مبنى الاذاعة في دمشق
و حلب و امر بفرض رقابة عسكرية على كل
المنشورات السياسية و الاعلامية فكانت هذه التحركات اشبه بانقلاب عسكري داخل القطر
السوري (5) كما امر حافظ بالقاء القبض على قيادتي الحزب في اللاذقية وطرطوس حيث
تركز انصار جديد وذلك بتهمة الاخلال بالامن و تم تعيين قيادة جديدة للحزب ,وامر
حافظ بوضع محافظ اللاذقية تحت الاقامة الجبرية لكونه من انصار جديد ايضا ,ومن ابرز
الامور القاء القبض على (عادل نعيسة –ربما قريب لنضال نعيسة النصيري الاخر) وهو من
جماعة صلاح جديد وامره بمغادرة طرطوس فورا وجرده من منصبه كسكرتير عام للحزب في
اللاذقية وطرطوس ,فقام انصار جديد بإنشاء جريدة (الراية) بعد فقدانهم السيطرة على
(البعث) و (الثورة) (6) وكان خبر انتحار عبدالكريم الجندي بعد ان جاءه انصار حافظ واختطفوا
بعض انصاره واهانوه اهانات شديدة امام موظفيه , ومن ثم اعلان الخبر مباشرة قبل
الاجتماع القطري ,كان نهاية الحياة السياسية لصلاح جديد حيث كان الجندي من اشد
اعوانه ومتحمسيه (7)
حافظ وحش و شقيقه رفعت |
كان الحزب تحت سيطرة صلاح جديد بينما
حافظ لم يكن معه في الحزب سوى شخصيات قليلة القيمة مثل مصطفى طلاس ,اما الجيش فكان
تحت سيطرة حافظ , وفي المؤتمر القطري العاشر للحزب في 13/10/ 1970 اصدر قرار
بإعفاء حافظ من وزارة الدفاع ومصطفى طلاس من رئاسة الاركان ,امر حافظ باعتقال صلاح
جديد و رئيس الجمهورية (الصوري) نورالدين الاتاسي والاستيلاء على كافة
فروع الحزب وفرّ جزء كبير من اعضاء المؤتمر الى لبنان واستمروا في معارضة النظام
من هناك (8) وبقي صلاح جديد في سجن المزة حتى وفاته في 19/8/1993 ,اما نورالدين
الاتاسي فقد افرج عنه بعد اكثر من 20سنة في السجن ومات بعدها بفترة قصيرة ,وانفرد
حافظ بالسلطة في الجيش ما جعله اول رئيس نصيري رسمي لسوريا في كسر واضح لتقليد
الدستور السوري الذي ينص على ان رئيس الجمهورية يجب ان يكون مسلما , في صورة واضحة
على تحول النصيرية من طائفة متخلفة الى طائفة تمسكت من مقاليد الحكم في سوريا تحت
غفلة من اهلها (9)
(1)
الصراع على السلطة في سوريا –نكولاس فان دام 104 -123 ,مجلة
الدعوة المصرية العدد 74 الحلقة الخامسة , الجرائد في تلك الفترة .
(2)
جريدة البعث 12/2/1967 , جريدة الراية اللبنانية 12/8/1971
(3)
الصراع على السلطة في سوريا ص105-106 , مجلة الدعوة المصرية
الحلقة الخامسة عدد 74 ,محاضر جلسات المؤتمر القومي الاستثنائي العاشر لحزب البعث
(4)
الصراع على السلطة في سوريا ص 99-101
(5)
تعميم الامين العام للقيادة القطرية الى جهاز حزب البعث السوري
في 28/2/1969 ,جريدة النهار 5/3/1969
(6)
المرجع السابق
(7)
جريدة الثورة 3/3/1969 , الصراع على السلطة في سوريا ص 110-111
(8)
الصراع على السلطة في سوريا ص 112 , الراية 14و
17/10/1970
(9)
الصراع على السلطة في سوريا ص 113
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق