جاء انقلاب الثامن من آذار عام 1963
انتصارا لحزب البعث العربي الاشتراكي من جهة, وفرصة ذهبية للأقليات الباطنية
للظهور من جهة اخرى , ويقول سامي الجندي (بعثي قديم و قريب عبدالكريم الجندي)
:"لقد انتشر الحزب في الريف ولكنه كان ضعيفا في دمشق و باقي المدن السورية وصار
جسما كبيرا في جسمه وصغيرا في رأسه حيث أن الأقليات الدينية كانت متواجدة أصلا في
الريف ومنها النصيريون و الدروز وأن المدن كانت اساسا مسلمة سنية في تكوينها
الديموغرافي" (1). وقد كان من النادر ان تجد بعثيا في دمشق من ذوي الأصول
الدمشقية مما ادى لتجميد نشاط الحزب عام 1964 لكون اعضاء الحزب غرباء عن دمشق مما
اضطر الحزب أن يغذي مركزيه في مشق و حماه بعناصر جديدة خاصة عندما واجه مشاكل مع
المدينتين و كانت هناك ثورة في حماه في عام 1964 وكان امين الحافظ مترددا في قمعها
لكن صلاح جديد شدد عليه بالقول فأرسل الجيش لهناك و كان يقوده ضابط درزي اسمه (حمد
عبيد) فتم قصف المساجد و كان اولها مسجد السلطان الكبير (2) .
أمين الحافظ الرئيس الأراكوز (ابو عبدو) |
كانت احد النتائج الحتمية لارتفاع نسبة الاقليات الباطنية في الحزب الحاكم هي الكراهية للمسلمين السنة ,فجاءت سياسة الحزب عدائية نحو الاسلام وكل ما يتعلق به . فبعد الانقلاب على النحلاوي في 8 آذار حصلت تسريحات بالجملة للضباط المسلمين و كانت قوية وعنيفة وكانت تم استبدال كل ضابط مسرح بآخر من الاقليات في دمشق خاصة و في سوريا عامة (3). تم تعيين وقتها لؤي الأتاسي كرئيسا للمجلس الوطني الثوري و تعيين صلاح البيطار رئيسا للوزراء وكان قائد الانقلاب زياد الحريري رئيس أركان ,فاستغل البعثيون رحلته للجزائر وقاموا بتعيينه سفيرا لسوريا في إسبانيا (4). وعندما تم الانقلاب على النحلاوي بالتعاون بين البعثيين و الناصريين توجه وفد بقيادة اللواء زياد الحريري و اللواء راشد قطيني (معاون القائد العام للقوات المسلحة) و عدد من الضباط الى عبدالناصر من اجل الوحدة ,ولم يكن من بينهم تمثيل واضح للبعثيين وكان شركاءهم في الانقلاب يظنون ان الوحدة مع مصر باتت قاب قوسين او ادنى حيث تم تشكيل منظمة سرية في سوريا اسمها (أنصار الوحدة) كانت بقيادة جاسم علوان ورائف المعري و محمد نبهان و ذوقان قرقوط (5) وبينما كانت اذاعة الناصريين تذيع مباحثات الوحدة مع مصر كانت اذاعة البعثيين بقيادة عفلق و البيطار تسخر منهم وتظهر المفاوضين بمظهر الدنيئين , وعند قيام انقلاب 8 آذار تم تشكيل مجموعة سرية من عشرين ضابط 8 ناصريين و 12 بعثيا ,وعندما سرحت اللجنة العسكرية ما يزيد عن 50 ضابطا ناصريا استقال المسؤولون الناصريون منهم وزير الدفاع (محمد الصوفي) و رئيس الأركان (راشد قطيني) و خمسة آخرون (6) فحدثت محاولة انقلاب بين الرفقاء السابقين في 18/7/1963 ,كانت بقيادة اللواء لؤي الأتاسي و جاسم علوان ورفقاهما لكن فشلت هذه المحاولة لأن احد النصيريين كان جاسوسا عليهم فقام بالإبلاغ عنهم وهو محمد نبهان (7) . بعد هذا الفشل تشكلت في اليوم التالي مباشرة 19 تموز/يوليو محكمة عرفية بقيادة صلاح الضللي و عضوية محمد رباح الطويل وسليم حاطوم و سليمان العلي وقامت بإعدام العقيد هشام شبيب و احكام اخرى على الباقين تراوحت ما بين الاعدامات و السجن المؤبد وتم تعيين اللواء أمين الحافظ وزيرا للداخلية (8) .
الضابط جاسم علوان قائد الانقلاب الفاشل للناصريين |
تمكن الضباط الطائفيون لاحقا من السيطرة على اللجنة العسكرية وهي اللجنة المسؤولة عن التنظيم العسكري في الجيش وكانت في بداية تأسسيها عام 1959 خلال الوحدة مع مصر مؤلفة من 5 ضباط ,3 نصيريين واسماعيليان (محمد عمران-حافظ وحش –صلاح جديد – عبدالكريم الجندي احمد المير) وثم توسعت اللجنة فأصبحت 15 ضابطا كانوا 6 مسلمين سنة و 5 نصيريين و اسماعيليان و درزيين و المسلمين هم (موسى الزعبي- امين الحافظ- احمد سويداني- مصطفى الحاج علي- محمد رباح الطويل) والذين تم التخلص منهم جميعا لاحقا قبل الباقين (9). في حلول عام 1965 كان قد تم تسريح ما لا يقل عن 700 ضابط من المسلمين السنة و اصبحت قيادة اللجنة العسكرية بيد 3 ضباط (عمران-جديد – الوحش) و اقتسمت المناصب فكان صلاح جديد رئيس الأركان ما بين 1963 و أيلول/سبتمبر 1965 , و حافظ اصبح قائد سلاح الجو بينما محمد عمران الاكبر سنا بينهم قائد القوات الخاصة (اللواء المدرع سبعين) الذي كان يرابط دائما جنوب دمشق وكان العمود الفقري للبعث العسكري.
بدأ الثلاثي (عمران –جديد- وحش)
بتكريس الطائفية اكثر فأكثر في الجيش ,يقول منيف الرزاز "إن رائحة التوجه
الطائفي قد بدأت تظهر داخل الحزب بعد أن كانت همسا..فتطورت هذه الأصوات الى
اتهامات لا تفتقر الى الأدلة الكافية"(10) فبعد انقلاب الثامن من آذار اصبحت
نسبة تمثيل النصيريين في القيادات القطرية
تشكل اعلى نسبة فكان النصيرية يشكلون 37,7% بعدهم الدروز 9,4% ثم الاسماعيليون . (11)
حتى أن سامي الجندي احد مؤسسي حزب البعث (اسماعيلي) ووزير الاعلام يقول في كتابه البعث ( إنه وبعد ان
اسندت اليه مسؤولية وزارة الاعلام بثلاثة أيام زاره "الرفاق" وطلبوا منه
التخلص من ابناء دمشق و حماه و حلب و تعيين ابناء الطائفة مكان المسلمين) و
في الجزء القادم سنتكلم عن الصراع المحموم الذي دار بين الطوائف على
السلطة.
(1) كتاب البعث –سامي الجندي ص 39-40
(2) حزب البعث – مطاع الصفدي ص 341
(3) التجربة المرة – منيف الرزاز ص 159
(4) هؤلاء كموا سوريا – سليمان المدني ص
149-151
(5) الانقلابات العسكرية في سوريا – محمد
ابو عزة ص 386
(6) المرجع السابق ص 406
(7) المرجع السابق ص 604
(8)
المرجع السابق ص 410-411 , هؤلاء حكموا سوريا ص
151
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق