إنّ
جيشا ينشغل
ثماني عشرة
ساعة كل
يوم في السياسة،
ويأكل وينام
خمس ساعات،
لن ينفع
البلاد في
وقت الشدّة (1)
في الثلاثين من مارس /اذار عام 1949 قام (حسني الزعيم) بأول انقلاب
عسكري في سوريا , تلاه انقلاب عليه لم يكن قائده سوى صديقه الذي ساعده في انقلابه
الاول العميد (سامي الحناوي) ومعه رفيق دربه العميد(بهيج كلاّس) و المخطط الذي كان
وراء الانقلاب هو المحرض الاول لحسني الزعيم للقيام بانقلابه , (اكرم الحوراني) ,
وانتهى انقلاب الزعيم بمقتله بعد 134 يوما في 14 أغسطس /آب 1949 , ولكن انقلاب
الحناوي لم يكن آخر انقلاب ,و لم يكن هو الصديق الوحيد الذي انقلب على صديقه .
في 14/8/1949 تكرر مشهد 30 اذار/مارس
, في هدوء الليل تحركت كتلات من الجيش السوري نحو دمشق النائمة , وقسم الانقلابيون
انفسهم الى 7 مجموعات , الاولى بقيادة العميد(سامي الحناوي) ومعه صديقه (بهيج
كلاس) و (امين ابو عساف) و (محمد معروف) و(علم الدين قواص) لاحتلال الاركان و
الثانية بقيادة (فضل الله ابو منصور) لاعتقال الزعيم ,الثالثة بقيادة (مصطفى
الدواليبي) لدعم المجموعة الثانية ,الرابعة بقيادة (حسين الحكيم مع (عصام مريود) و
(عبدالغني دهمان) لاعتقال البرازي ,الخامسة بقيادة (محمود دياب لاحتلال مقر الشرطة
, السادسة بقيادة (محمود الرفاعي) و (بكري الزوبري) للقبض على قائد الشرطة و
الاخيرة بقيادة (فريد سيد درويش) لحراسة البنك السوري (2) , و اصدر البلاغ رقم
واحد الذي كان اول من ابتدأه بكلمة (قام جيشكم الباسل..), و شرح اسباب الانقلاب
بأنه كان لإنقاذ البلاد من الفوضى و لسوء علاقاته مع الاردن و العراق , قائلا بانه
سيعود الى ثكناته ليترك امور السياسة لزعماء البلاد . الملاحظ هنا في الاسماء كثرة
ابناء الاقليات الذين تم تعيين اكثريتهم في المجلس الحربي الاعلى الذي تشكل بعد
البلاغ رقم 2 . تضمن المجلس الحربي الاعلى اسماء كل من (سامي الحناوي) , (بهيج
كلاس) مسيحي مستشار وزارة الدفاع, (علم الدين قواص) رئيس اركان اللواء الاول و
(محمد معروف) قائد الشرطة العسكرية نصيريان , (امين ابو عساف) درزي قائد كتيبة
المدرعات , (حسن الحكيم) قائد قوة المدفعية و (محمود دياب) رئيس الشعبة الثالثة في
الاركان العامة اسماعيليان , و (محمود الرفاعي) معاون مدير المخابرات العسكرية و
(عصام مريود) ضابط طيار مسلمين (3) .
من هو (سامي الحناوي)؟ نظرا لسيرته الذاتية لم تختلف كثيرا عن (حسني
الزعيم),فهو خدم في الجيش العثماني و انتسب الى جيش فيصل بن حسين ثم التحق فيما
بعد بالدرك السوري في لواء اسكندرون و انتسب الى الجيش السوري المأمور فرنسيا عام
1928 , وكان الحناوي و الزعيم و الشيشكلي (كأغلبية الضباط السوريين) مدمنين على
الكحول (4) , ولم يملك الرجل طموحا كبيرا فقد كان يأتمر بأمرة حزب الشعب المدعوم
من الهاشميين في العراق والاردن و هؤلاء الاخيرين كانوا يتحالفون مع أي حزب يضمن لهم
مصالحهم واطماعهم في سوريا فكانوا دائما يرسلون المال و السلاح لزعزعة سوريا . اما
على الصعيد الدولي رحب الاردن و العراق بالانقلاب , اما مصر فلم تستسغ انقلاب
الحناوي فاتجهت هي و السعودية للجامعة العربية للمطالبة بضمانات لاحترام الاوضاع
القائمة في البلدان العربية , و اعلن الملك فاروق الحداد 3 ايام , بينما وصفت فرنسا الانقلاب بأنه صنيعة
بريطانية حيث وصفت احدى الصحف الفرنسية نظام (حسني الزعيم) بأنه معادي للمشاريع
الفرنسية بينما مدحت بريطانيا في بادئ الامر الانقلاب , اما امريكا فقد وقفت في
البداية موقفا محايدا حتى تنظر لمصير اتفاقية التابلاين و عندما الغاها الحناوي
اخذت امريكا ترثي الزعيم في صحفها ,اما اسرائيل فقد كانت قلقة من حدوث اتحاد بين
العراق و سوريا بسبب ما اعتبرته (اتحاد دولتين كبيرتين غير متحضرتين , لم تثبتا
القدرة على الادارة الذاتية ) فقد كانت اسرائيل تخشى انضمام دول اخرى للاتحاد مما
سيغير من سياستها نحو تلك الدول تغييرا كاملا ,قائلة "لن يكون مجديا لاسرائيل
ان تتبنى سياسة سلمية هادئة في الوقت الذي تجد نفسها محاطة بزلزال مدمر" (5) .
من
المفارقات العجيبة ,أن رئيس (الكتلة الوطنية سابقا) (هاشم الاتاسي) الذي تم
انتخابه كرئيس مؤقت لسوريا , كان من اشد المدافعين عن جمهورية سوريا اصبح بعد
انقلاب الحناوي يبحث عن سبل التعاون مع الاردن و العراق من اجل الوحدة معهما في
مشروع ما يسمى (الهلال الخصيب)تحت حكم الهاشميين الملكي (6) فأي نوع كان السياسيون
آنذاك؟ , واستمرت الاتصالات بین الحكومتین السوریة والعراقیة فوصل إلى دمشق ( فاضل الجمالي) وزیر خارجیة العراق، بمھمة مستعجلة، واتصل بكبار الشخصيات السوریة، وأجرى مفاوضات مطولة معھم بحضور الدكتور (أسعد طلس )أمین عام الخارجیة، وعدیل الحناوي، ثم واصل سفره إلى لندن ,وجدير بالذكر
ان (اسعد طلس) كان مدبر شؤون سوريا الخارجية من وراء الستار بمنصبه كمعاون وزير
الخارجية , حيث عمل طلس مع الحناوي للانقلاب على الزعيم و الانتقام من البرازي
الذي اقاله فحقد عليه حقدا شديدا (7) ولكن ابرز
اسم هو مدبر الانقلابين الاول و الثاني , (أكرم الحوراني) الذي عارض فكرة الوحدة
والتخلي عن الجمهورية ,فأخذ يجهز مرة أخرى لانقلاب ثالث, و كان حلقة الوصل بين
السياسيين و العسكريين المعارضين للوحدة , و قد عرف عن الحوراني بأنه من اوائل من
شجع الحزبيين على الانضمام للجيش كي يكون له ذراع عسكري يدعم حزبه (8) فأخذت الصحف
و السياسيين والعسكريين يهاجمون حزب الشعب بعد استفحال الخلافات بينهم و انتشرت
تهم الخيانة و التآمر للأطاحة بإستقلال سوريا فعادوا لمهاجمة الهاشميين مرة اخرى و
من يقف معهم واصبح (سامي الحناوي ) بين ليلة وضحاها خائنا ,فسبحان مغير الأحوال
(9), و أسست لجنة تأسيسية لوضع الدستور في 12/12/1949 برئاسة (رشدي الكيخيا) لكن
هذه اللجنة لم تستمر اذ ان انقلابا ثالثا اطاح بكل شيء .
في 19
ديسمبر /كانون الاول 1949 ,بعد 4 شهور على الانقلاب الثاني , تحركت مرة اخرى قطعات
من الجيش السوري بقيادة العقيد (أديب الشيشكلي) الذي شارك في الانقلابين الاول و
الثاني , نحو دمشق في حوالي الساعة 5 صباحا , لتلقي القبض على (الحناوي) لينتهي
الانقلاب الثاني , في حين هرب عديله (أسعد
طلس) الى لبنان و اعتقل الضباط المشتركين في الانقلاب الثاني بينما لم يمس احد من
السياسيين وافرج عن الحناوي فيما بعد ب
7/9/1950 و ذهب مع عائلته الى لبنان , لكنه لقي حتفه هناك بعد شهرين تقريبا على يد
احد اقارب (محسن البرازي) انتقاما له و نقل جثمان الحناوي الى حلب حيث دفن فيها
هناك ,لتنتهي صفحته في 31/10 /1950 (10).