(لو
طلب مني عبدالناصر بأن أقوم بقصف دمشق بالقنابل لما ترددت في فعل ذلك) (1) كانت
تلك كلمات عميد الكلية الحربية في حمص (أمين الحافظ) عندما توجه نحو مصر في يناير
/كانون الثاني سنة 1958 مع وفد من الضباط فقط لمناقشة الوحدة , وقد كانت تعبر عن
مدى تحمس العسكريين من اجل الوحدة مع عبدالناصر , فلماذا ارادوها ؟ هل هي الحماسة
المفرطة ؟ ام السذاجة , ام لرمي مشاكلهم على غيرهم ؟ أم ربما جميعها معا.
العميد (أمين الحافظ) سنة 1958 |
بالنظر قليلا للوراء
, كانت العلاقات السورية المصرية في تحسن مستمر , فبعد العدوان الثلاثي على مصر
سنة 1956 برز إلى العلن إسم جمال عبد الناصر الذي كان رئيس مصر وقتها كبطل قومي
عروبي , و مما رفع من أسهمه أكثر بين السوريين كونه من أكبر الساعين لتحقيق
الاشتراكية ,وكانت فكرة الاشتراكية قد استحوذت تماما على السوريين حتى الاسلاميين
منهم الذين أسسوا حزب (الاشتراكي الاسلامي) بقيادة "مصطفى السباعي" , و
قويت فكرة الوحدة بعد مجيء (أنور السادات) في اواخر نوفمبر من عام 1957 ليدعو
للوحدة بين البلدين (2) . و لكن في الواقع كان لكثيرين ممن أرادوا الوحدة مع مصر
أهداف مختلفة , فالبعثيين أرادوا وحدة اشتراكية تمكنهم من تقلد السلطة في سوريا ,
و الاحزاب اليمينية مثل حزبي الشعب و الوطني أرادوا الخلاص من سيطرة البعثيين على
الحكم في سوريا , بينما الجيش رأى فيها خلاصا لمشاكله (3) يقول المؤرخ (محمد أبو
عزة) "وصف الضباط الذين ذهبوا لعبدالناصر حالة الانقسام بین الأحزاب السوریة، التي تنافرت اتجاھاتھا السیاسیة وتحدثوا عن نشاط الشیوعیین وعن أسلحة تھُرب إلى سوریا عن طریق أنصار حلف بغداد وعن الشخصیات السیاسیة المتھالكة، عن قبض الأموال من الخارج، مما یعني أن سوریا أصبحت وطنا مًعروضا لًلبیع" (4) . وكانت
سوريا قبل الوحدة تحكم من قبل 11 شخصا , يصفهم "خالد العظم" وزير
الخارجية آنذاك قائلا (كنا على سابق عادتنا نجتمع في داري مرة أو اكثر في الاسبوع
اجتماعا سياسيا يحضره العسلي و الحوراني و البيطار و الكيالي و رؤوساء الشعب
الخمسة في الجيش عفيف البزري ,مصطفى حمدون , أمين النفوري , عبدالحميد السراج ,
أحمد عبدالكريم و الشيوعي خالد بكداش , وكانت هذه الاجتماعات تمثل الفئة الحاكمة
في التجمع القومي و الجيش و كنا ندرس الامور السياسية و نقرر الاتجاه العام) (5) و
لكن كان هناك إسم آخر كان يحضر اجتماعات العسكر , الا وهو الملحق العسكري المصري
في دمشق (عبدالمحسن أبو النور) (6) .و الظاهر من الاسماء السابقة بروز المد
اليساري فيها بشكل واضح في شخصيات مثل الحوراني و البيطار و حمدون و بكداش و
البزري و الكيالي و السراج , بينما كان العظم و العسلي يسيرون مع أي تيار طالما
كان قويا , ما أدى للتقارب مع الفكر المصري اليساري وقتها.
بالنظر الى قرار الوحدة مع مصر فقد كان عسكريا
بالدرجة الأولى , واكثر منه قرارا اعتباطيا و لم يتم دراسته , فقد اتفق الضباط في
ليلة الحادي عشر من يناير /كانون الثاني سنة 1958 في ليلة سهرة في منزل احد الضباط
على الذهاب لمصر وقرروا إرسال وفد الى القاهرة في فجر اليوم التالي مباشرة و بقوا
ينتظرون مقابلة عبدالناصر يومين متتالين ,حتى التقوه في الرابع عشر من الشهر ذاته
(7) ولكن عبدالناصر طلب منهم التمهل والتفكير بالأمر , و لم يرغبوا بذلك فقد
أصرّوا على طلبهم بالوحدة الفورية مع مصر فكان لهم ما أرادوه(8) و الذي اثبته
العسكريون هو جهلهم المطلق بالسياسة , ففي حين أن السياسيين طالبوا بوحدة فيدرالية
, طالبهم عبدالناصر بوحدة كاملة و حل جميع الأحزاب في سوريا والقضاء على أي حياة
سياسية فيها, و جاء رئيس الاركان "عفيف البزري" ليضرب كل الاعراف
الدبلوماسية بعرض الحائط بتصريحه قائلا (نحن على أبواب الوحدة و إن الاحزاب التي
تفكر بحل نفسها على حقا لأنها تنشد الوحدة) و بلغ من شدة حماسته أن صرح لجريدة
النصر قائلا (كل من يعرقل
الوحدة بالدس والتفرقة
يعتبر من متآمري
أنقرة,الشعبان السوري
والمصري مؤمنان بالوحدة
ويرتقبان ساعتها الآتية
قريباً وتأخيرها فرحة
للمستعمر, وعملاء الاستعمار
يعملون اليوم لإثارة
المشاكل) (9) كانت ردة فعل السياسيين أنهم صدموا بهذه
التصريحات و القرارات التي تمت من ورائهم , و صرح بعضهم في البرلمان بعاطفية أنهم
يؤيدون الوحدة بأي شكل من الاشكال ,ولكن المخضرمين منهم مثل خالد العظم و شكري
القوتلي و صبري العسلي عارضوا التسرع في الوحدة دون دراستها , يقول "أكرم
الحوراني" عما حدث (وفي
دمشق فوجئ رئيس
الجمهورية السوري شكري
القوتلي ورئيس وزرائه
صبري العسلي من تسارع
الأحداث بهذه الوتيرة, وذهلوا بمبادرة قيادة
الجيش للذهاب إلى القاهرة
والتفاوض مع القيادة
المصرية, ومن ثم
إطلاق هذه التصريحات, دون مشاورة مع الحكومة
أو حتى دون
إطلاعها على نتائج
المفاوضات بينهم وبين
عبد الناصر,وبالرغم
من امتعاضه لما
قام به العسكر
قرر القوتلي إيفاد
وزير الخارجية إلى
القاهرة حاملاً معه مشروع
الحكومة الاتحادي, ليظهر
الانسجام والتماسك بين
الجيش ( والمؤسسات الدستورية ) (10) .
صورة تذكارية للوفد الذي ذهب لملاقاة عبد الناصر |
يقول ضابط
الاستخبارات المركزية الامريكية (اندرو راثميل) "إن السنوات الثلاث التي كانت
عمر الجمهورية العربية المتحدة , كانت فترة من أخصب فترات التصارع الهدام فيما بين
العرب أنفسهم"(11) و كان محقا في كلامه , فمنذ أن بدأت الوحدة كان الصراع بين
اتباعها و باقي الدول العربية اطول و اشد مرارة من الصراع مع الاسرائيليين او
البريطانيين او الامريكيين او غيرهم , وللمفارقة أن اخصب سنوات التصارع تلك كانت
أكثر سنوات سوريا التي شهدت فيها قحطا زراعيا استمر طيلة سنوات الوحدة الثلاثة.
في الثلاثين من يناير
/كانون الثاني سنة 1958 ذهب الرئيس السوري (شكري القوتلي) الى مصر ليوقع اتفاقية
الوحدة و بعد يومين في الاول من فبراير تم توقيع أول وحدة بين بلدين عربين , يقال
أن القوتلي خاطب عبدالناصر بعد توقيع الوحدة قائلا "لو
تعلم يا سيادة الرئيس من أية مصيبة خلصتني، لقد أرحتني من حكم خمسة ملايين إنسان 10 % يعتبرون أنفسهم آلهة، 25 % يعتبرون أنفسهم أنبياء و 50 % على الأقل يعتبرون أنفسهم روؤساء ووزراء، سأترككم تحكمون شعبا يعبد لله ويعبد النار ويعبد الشيطان"
فيجيبه عبدالناصر بعصبية "الان تقول لي هذا الكلام؟" (12) , كان عامة السوريون
في مشاعرهم العاطفية يميلون نحو الوحدة مع مصر بسبب شعورهم باليأس من سياسييهم و
قادتهم العسكريين , فكانوا يبحثون عن مخرج من دوامات الانقلابات و الاغتيالات و
حركات العصيان العسكري المتكررة , وكانت الاموال الهاشمية و السعودية تناهل على سوريا التي اصبحت ساحة
صراع يتنافس الجميع فيها و عليها . فبعد إعلان الوحدة و خروج عبدالناصر لمجلس
الامة في القاهرة في الخامس من شباط/فبراير و القوتلي ايضا , تزاحمت الجماهير
السورية التي تحمست اكثر من المصريين انفسهم في الشوارع تأييدا لهذه الوحدة حتى أن
عبد الناصر عندما جاء الى سوريا حمل السوريون سيارته من قصر الضيافة الى فندقه
مسافة 300 متر في دمشق , وحصل الامر نفسه في حمص عندما جاء اليها , بل أن السوريين
كانوا يفترشون الساحات التي تطل عليها شرفة عبدالناصر و ينامون فيها انتظارا لإطلالة
واحدة من الزعيم المصري الكارزماتي (13)
الذي كان بفضل الاعلام المصري الاول في
العالم العربي قد أصبح المنقذ و صلاح الدين الجديد , كما كان أتاتورك التركي صلاح
الدين لدى السذّج من قبله , وما أكثر الايوبيين لدى الشعوب المهزومة.
كانت أولى شروط (جمال عبدالناصر) من أجل الوحدة أن يتم حل جميع
الاحزاب السياسية في البلاد , و تم له ذلك ,لكن الشيوعي (خالد بكداش) لم يوافق على
ذلك و سافر هاربا خارج سوريا ، و كان من أولى قرارات عبدالناصر بعد تشكيل حكومة
مشتركة هو عزل القائد العام للجيش السوري و رئيس الوفد الذي جاء مطالبا بالوحدة (عفيف البزري) من منصبه بعد أن اعطاه رتبة فريق
(14) و اعطيت قيادة الجيش للواء (جمال الفيصل) الذي لم يكن صاحب شخصية قوية ,
وكانت تلك سياسة عبدالناصر في التخلص ممن لا يريدهم ,فكان يرفعّهم لرتب عالية ثم
يحيلهم الى التقاعد . ثم اجري استفتاء لعبدالناصر في سوريا بعد عشرين يوم من اعلان
الوحدة في 22 شباط /فبراير , حصلت فيه عمليات تزوير بالجملة (كعادة الانتخابات
التي يحكمها العسكر) ,فقد كانت صناديق الاقتراع تملئ بالأوراق التي يزيد عددها على
عدد المسجلين , كما شارك السياسيين بعمليات التزوير و منهم (بشير العظمة) (15) فحصل
عبدالناصر كما حصل من قبله على نسبة خيالية تقدر ب 99.2% من الاصوات , وشكلت
الحكومة المشتركة بين البلدين من 34 وزيرا ,وعين عبدالناصر 4 نواب رئيس اثنين منهم
سوريين هم (صبري العسلي) و (اكرم الحوراني) ,جدير بالذكر أن الوزير المصري (عبد
اللطيف البغدادي) سأل عبدالناصر لم لا يعين الحوراني حاكما عن القسم الشمالي (أي
سوريا) فأجابه عبدالناصر بأن شعبية الحوراني هناك لا تتجاوز 10% ولا يملك مقومات
الحاكم .كانت الوزارة مشكلة أغلبيتها من العسكريين وقليل من المدنيين, في المقابل
كانت السياسة الداخلية للجمهورية الوليدة متخبطة و عشوائية كالقرار الذي اتخذ
لإنشائها , فالدستور كان يتغير بشكل مضطرد ولم يكن هناك خطط ادارية واضحة (16)
وبعد بضعة ايام من تولي عبدالناصر الحكم قام بتشتيت البعثيين و بعثرتهم ,فنقل
رؤوسهم مثل الحوراني و عفلق و البيطار الى مصر , وقام بعزل و إعادة تعيين الباقين
في اماكن متفرقة مما أدى لسخط البعثيين عليه و على رأسهم الحوراني نفسه الذي كان
من اشد الراغبين بالوحدة ,بيد أن هذا لم يمنع البعثيين , وبالاخص منهم الباطنيين
ان يؤسسوا لجنة سرية شملت ضباط 3 نصيريين
و اسماعيليان اشتهرت في التاريخ باسم (اللجنة العسكرية) (17) كانت نواة للعمل
السري الذي بدأ منه الباطنيون العمل للاستيلاء على سوريا ,وهو ما تم لهم مستقبلا
في غفلة عن العسكر و الساسة السوريين .
جمال عبدالناصر ايام الوحدة |
بالنظر الى الوحدة على الصعيد الداخلي , فقد كانت في بدايتها
مرتجلة و اندفاعية , فجاءت سياساتها الداخلية على نفس الشاكلة تقريبا , يقول (بشير
العظمة) "بعد انتهاء الافراح و الحماس للوحدة السورية المصرية بدأت المتاعب
الداخلية في النظام الذي اقيم على عجل إذ لم تحدد صلاحيات المجالس التنفيذية وبقيت
سلطة الرئيس و كلمته الفاصلة هي كل شيء "(18) و جاءت قرارات الاصلاح الزراعي
التي كان وزيرها وقتئذ الضابط (مصطفى حمدون) لتكمل ما بدأه القحط ,فقد تضرر الملاّك الزراعيين بعد ان قام الوزير الذي
شارك في الثورة على الشيشكلي سنة 1954 , بالاستحواذ على الاراضي الزراعية الافضل و
الاخصب من الملّاك الاصليين بحجة التأميم , وسبب ذلك كما يشرحه (عبدالكريم
النحلاوي) هو تعصبه الاشتراكي و حقده على الاقطاعيين (19) اما الوزراء أنفسهم فلم
يعلموا حقيقة مهامهم و كانوا يقضون وقتهم في الاندية الرياضية و قراءة الجرائد و
حل الكلمات المتقاطعة . و ساءت الامور
أكثر بانسياب المصريين ليحتلوا اماكن السوريين و يزاحموهم في اعمالهم , وكان كلما
سئلوا عن أي شيء يجيبون بأنهم رجال المباحث و قد جاؤوا لتفقد الاوضاع لمصلحة
الوحدة , كما كانوا يتصرفون بتعال على السوريين ويعتبر كل واحد نفسه ممثلا عن
عبدالناصر حتى أن الضباط منهم كانوا يتجاوزون الضباط السوريين الاعلى منهم رتبة في
الاوامر , وتمت إحالة ضباط سوريين كثيرين الى التقاعد بينما لا يزالون خريجين
جديدين و حتى طيارين منهم, و قد استمرت هذه الممارسات حتى وصلت سوريا حالة من
الغليان و التذمر في ربيع 1961 (20) و من الناحية الاقتصادية فقد كان الاقليم
الجنوبي (مصر) يستحوذ على اغلب الاموال التي كان من المفترض بها ان تصرف بشكل
متساو على الاقليمين , فمن الميزانية المقررة للجمهورية المتحدة لتصرف على التجهيز
العسكري و التسليح كان 80% منه يؤخذ من ميزانية الاقليم الشمالي , وكانت صفقات
السلاح السورية السوفيتية التي تم الاتفاق عليها قبل الوحدة تذهب الى مصر , بل انه
اكتشفت خطط لنقل احتياطي الذهب السوري بأكمله الى مصر (21) اما الحاكم الحقيقي
لسوريا فقد كان (عبد الحميد السرّاج) رئيس المكتب الثاني (المخابرات العسكرية) ذراع
عبدالناصر الايمن و رجله الاول في سوريا بمنصب وزير الداخلية , واصبح في ايلول
1958 (بعد شهور على الوحدة) رئيس المجلس الاقليمي السوري ولاحقا اصبح رئيس المؤسسة
الاقتصادية العسكرية , فأصبح يمسك في قبضته بالاجهزة الامنية و الادارية و
الاقتصادية ,ما جعله يطمح ليكون رجل عبدالناصر الاول في ظله (22) .
جمال عبدالناصر و عبدالحميد السراج رئيس المخابرات العسكرية |
اما على الصعيد الاقليمي و الدولي , فقد نظرت الولايات المتحدة
نظرة رضى عن عبدالناصر لكن رئيس الاستخبارات المركزية (جون فوستر دالاس) و زملائه
كانوا ينظرون اليه نظرة عدم الثقة ,يقول (اندرو راثميل) "استقر راي الادارة
الامريكية على ان الوحدة قد تكون من مصلحة الولايات المتحدة ان اعتمد ناصر اجراءات
صارمة ضد الشيوعيين , وكان الموقف الامريكي منها كما قاله السفير هير ذلك الموقف
الذي لا يفيض كآبة ولا يفيض بهجة أيضا" (23) و اما الاتحاد السوفيتي فلم ينظر
بعين الرضى الى ما يقوم به ناصر من تضييق وحرب ضد الشيوعيين ,لكنها استمرت رغم ذلك
بدعمه عسكريا , ما جعل الرئيس الامريكي (دوايت آيزنهاور) يصدّق على سلسلة تدابير
اقترحها دالاس قال فيها "يجب تنبيه الكولونيل ناصر بأن عليه أن يدرك أن ليس
بمقدوره التعاون مع الاتحاد السوفيتي و التمتع في الوقت نقسه بمعاملة الدولة
الاكثر رعاية من الولايات المتحدة" (24) , اقليميا كانت الوحدة ذات آثار
سلبية على جميع جيرانها , ففي الاردن كثرت المحاولات التخريبية لضم الاردن كبلد
تابع لسوريا للجمهورية الوليدة وكانت القنابل تلقى على المباني الحكومية و شقق
الوزراء و حتى السفارات , ما دفع الملك (حسين بن طلال) الى الاستنجاد بابن اخيه
(عبدالاله بن فيصل) ليؤسسا الاتحاد العربي ,لكن لم يدم طويلا بسبب انقلاب الجيش
على الملكية في العراق و تولي الضابط (عبدالكريم قاسم) مقاليد السلطة هناك ,
وابتهج عبدالناصر بذلك املا منه بانضمام العراق الى الجمهورية المتحدة, لكن قاسم
لم يرغب في وحدة تذوب فيها العراق مع عبدالناصر فحصل خلاف بين الطرفين , وارتمى قاسم في احضان السوفيت , ما ادى لشعور
ناصر بالتهديد من عبدالكريم قاسم خوفا من سرقة الاضواء منه كالعدو الاول
للامبريالية(25) و اضافت اذاعة (صوت
العرب) العراق الى الاردن و لبنان لتهاجمهم وتصفهم بالعملاء و الرجعيين و الشيوعية
و الامبرياليين , اما السعودية فكانت تقتنع بخطر الاشتراكية و اخذت تحاول اقناع
الدول المجاورة بانتهاج نهج بعيد عن الاتحاد مع عبدالناصر ,بينما اخذ عبدالناصر
يتهم حكامها بمحاولة اغتياله , يقول معاون مدير مكتب الموساد (ياكوف
كاروز)"لقد أطلق جهازا المخابرات المصري والسوري العنان لعملیاتھما التخریبیة المشتركة ضد كل من لبنان والعراق والأردن،
وكان العمل
السري ھو الشكل الرئیسي في ذلك الوقت للاتصال بین الجمھوریة العربیة المتحدة والبلدان الأخرى"
(26). ولكن بالرغم من كل ذلك ,فقد جاءت الشعرة التي قصمت ظهر عبدالناصر من الداخل
دون أي يكون لأي طرف خارجي دور فيها , فالاقليم الشمالي كان يغلي تحت وطأة التسلط
المصري و الفشل الاداري المحبط و كان يبحث عن حل لمشاكل قبل الوحدة ,فأضاف اليها
المشاكل التي جاءت بعد الوحدة ايضا , و لاحت في الافق علائم تغيير وشيكة .