الثلاثاء، 12 فبراير 2013

تاريخ سوريا من بداية عهد الانتداب 1920 حتى نهاية 1926 .




بعد الخروج المهين لفيصل بن حسين من سوريا , بدأت فترة ما يعرف بعهد الانتداب الفرنسي ,فأمر المندوب السامي بجمع الأموال و الأسلحة من المدنيين و اصدر حكما بالاعدام على عدد من الاشخاص المتهمين بالعداء لفرنسا كان منهم كامل القصاب و خيرالدين الزركلي و احمد مريود و إحسان الجابري و غيرهم العشرات .وتم القبض على ضباط الجيش و نفيهم الى ارواد .(1) و كان دخول غورو لدمشق تملؤه الغبطة التي لم يستطع ان يخفي بسببها ما في قلبه حيث وقف على قبر صلاح الدين الأيوبي ليصرخ على القبر قائلا (ها نحن صلاح الدين !) (2).
قامت فرنسا وقتها بإعلان 5 دويلات اولها كان دولة لبنان الكبير في 1/9/1920 و الثانية دولة حلب في 8/9/1920 و تلتهما دولة العلويين في 23/9/1920 و دولة الدروز في 20/4/1921 و تأخر انشائها لأن الدروز في 20/9/1920 اجتمعوا في السويداء لإخراج دستور من 12 مادة تتعلق بأمور القضاء و الادارة و الاقتصاد و قد أرسلوها للجنرال غورو فوافق عليها و اصدر مرسوما في 20/4/1921 للأمير سليم الاطرش بأن يكون هو رئيس الدولة (وكان سابقا ضابطا في الجيش العثماني) و انتخبه الدروز كرئيس في اجتماع عقدوه في 1/5/1921 (3)وقد فرح الدروز بوعد فرنسا لهم بإقامة دولة لهم عندما قدم غورو الى بيروت سنة 1919 فأرسلوا مواكب الفرسان للمفوضية ليشكلوا الحرس الخاص بغورو, و كان الدروز قد طمأنتهم بريطانيا الى ان دولتهم ستتحقق خاصة بعد أن أوحت لزعماء الدروز بأن لبنان و سوريا سيكونان من نصيب فرنسا , فقبلوا بالانتداب مقابل دولتهم (4). 

و عينت فرنسا صبحي البركات رئيسا لدولة حلب بالرغم من أنه من أهل انطاكية و كان بركات حارب الفرنسيين في البداية لكنه بعد الهدنة بين الفرنسين و الاتراك قام بنفس ما قام به صالح العلي حيث انه القى سلاحه و لم يحاربهم ,بل انه انقلب ليتعقب ابراهيم هنانو لبقيض عليه, و ادعى لاحقا انه من احفاد الصحابي خالد بن الوليد فسمى نفسه بالخالدي (5) . و قد درجت فرنسا في سوريا على جعل السياسيين من وزراء و رؤساء مجرد موظفين اداريين مجردين من أي سلطة فعلية و جعلت تلك السلطة في يد الجيش , الأمر الذي ترك أثره الواضح في سوريا على مدى العقود التي تلت جلاء المحتل .
و من السياسات التي اتبعتها فرنسا ايضا هي سياسة محاباة و تفضيل الأقليات ,و كانت في سياستها هذه تعتمد على نظرية مستشار المفوضية العليا (روبير دوكاي) الذي كان يقول بأن بلدان الشرق لم تقم على أسس قومية بل على اسس دينية بحتة و أنه يتعين على فرنسا ان تستوعب اختلافات الأديان و الأعراق و جمعها في اتحاد فيدرالي تشرف عليه فرنسا , كما أنها بالإضافة لذلك كانت تستخدم هذه النظرية لمواجهة الأمريكيين الداعمين للفكر القومي و البريطانيين الداعمين لفيصل بن حسين أي انها كانت في منافسة مع الامريكيين و البريطانيين على النفوذ في سوريا. فسياسيا قامت بتشكيل دولة العلويين و جعل عاصمتها اللاذقية بالرغم من انها مدينة لا يوجد فيها نصيري واحد, واعطت منطقة حوران للدروز و نسبة الدروز فيها لا تتعدى 2,2% كما استجلبت مئات العائلات الآشورية من العراق و تعللت بأن ذلك قرار من الامم المتحدة لا يمكنها رفضه كما أنها جلبت اكثر من 120 الف ارمني وقامت بتوطينهم في شمال سوريا وبالأخص حلب التي تم توطين 15 الف ارمني فيها في عام 1922 (6) .
اما عسكريا , فقد أنشأت فرنسا ما يعرف ب(قوات الشرق الخاصة) في عام 1924 و كانت اغلبيتها من النصيرية و الاسماعيلية و الدروز و الشركس ,و التي اصبحت لاحقا بعد الاستقلال نواة الجيش السوري(7) .حتى ان عبدالحميد السراج رئيس المخابرات عام 1955 فوجئ عندما وجد أن اكثر من 65% من صف الضباط هم من النصيرية (8)
كما بعث الجنرال (هنري غورو) ببرقية لوزارة الخارجية الفرنسية قال فيها( وأفيدكم بهذا الصدد أن النصيريين الذين يستيقظ حسهم الإقليمي الذاتي منذ لم يعد الأتراك هنا لتذويبهم مع المسلمين قد ساعدوني كثيرا في قمع الفتنة التي اثارها الشريف والدنادشة في تل كلخ , وقد تلقيت برقية تفيدني بأن 73 زعيما نصيريا يتحدثون بإسم جميع القبائل يطالبون بإنشاء اتحاد نصيري مستقل تحت حمايتنا المطلقة) , وتؤكد الوثائق البريطانية في تلك الفترة بأن غالبية العلويين كانوا يفضلون استمرار النفوذ الغربي في سورية ويفضلونها على مشاريع الاستقلال (9) وبالنسبة للدروز فقد كان الحرس الخاص لغورو  من جبل الدروز الذين تم تعيينهم بمعرفة (متعب الأطرش) (10) في حين بدت الاكثرية المسلمة خاصة من العائلات الثرية محجمة عن الزج بأبنائها في الجيش الذي اعتبروه أداة بيد المحتل (11) .كما ان احد العوامل التي دفعت لوجود اكثرية الجيش من تلك الاقليات هو فقرها المدقع وجهلها الذي جعلها تجد في الانخراط في الجيش رفاهية مقارنة مع مناطقهم.

بالعودة للأحداث السياسية , بعد اخماد عشرات الثورات بدأ السوريون بتأسيس احزاب سياسية كان اولها (حزب الشعب) الذي تأسس سنة 1922 وقتها برئاسة (عبدالرحمن الشهبندر) و من اعضائه الرئيسيين (حسن الحكيم ,و لطفي الحفار و فارس الخوري) (12) و  لكنه اوقف بعد الثورة السورية عام1925 بعد هروبهم وحل الحزب. و قد كانت شرارة تلك الثورة يعتقد انها في جبل الدروز حيث استلم الكابتن (كاربييه) منصب مستشار دولة الدروز بدلا عن الكوماندان (ترانكا) , وبدأ (كاربييه) باستخدام سياسة فجة و فظة مع الدروز الذين استغربوا من الامر و بدأوا يرسلون الشكاوي إليه ويسترحمونه و لكنه لم يهتم بهم , وتواصلت الوفود من الجبل الى الجنرال (موريس ساراي) المفوض الفرنسي وقتها للاستفسار عن سبب تغير معاملة الفرنسيين


المفوض السامي موريس ساراي 1925م
 و لكن لم يكن لها نتيجة , حتى بدأ (كاربييه) باعتقال بعض زعماء الجبل و ارسالهم لتدمر و الحسكة و محاولة اعتقال سلطان الأطرش التي أدت بعد عدة أيام الى تمرد سلطان الأطرش و استنفاره لقومه في 21/6/1925 و كانوا يصيحون وقتها (فليسقط كاربييه الظالم ,وليحيا رينو العادل) (13) و كان لاضطهاد الفرنسيين للدروز علاقة بكون جزء منهم متحالف مع البريطانيين , فقد كان جزء من الدروز يرغب بالانضمام لامارة شرق الأردن الواقعة تحت سلطة البريطانيين , وكان هؤلاء الآخرون يدعمون الدروز عن طريق شرق الاردن و ذلك لتلقين فرنسا درسا بسبب الشروط المجحفة التي فرضتها على الالمان في فاراساي , حيث اعتبرت بريطانيا تلك المعاهدة انذار بحرب عالمية ثانية (14) كما صرح ديغول في وقت لاحق مخاطبا السفير البريطاني في باريس بأنه يعتبر بأن البريطانيين يقفون وراء جميع المشاكل في دول المشرق, وبأنهم يسعون إلى إضعاف النفوذ الفرنسي في الشرق (15) . و قد حاول القادة الوطنيون وقتها التنسيق مع الدروز لدخول دمشق , لكن الدروز خذلوهم بعد معركة المزرعة و امتنعوا عن التقدم نحو دمشق و فضلوا المفاوضة مع الفرنسيين على تعيين حاكم فرنسي جديد يرضاه الدروز مع عدم تسليم اسلحة الدروز او معاقبة أي احد منهم و يعترف بذلك عبدالرحمن الشهبندر في مذكراته (16) .
في تلك الفترة كان حسن الخراط و محمد الخطيب في غوطة دمشق يجاهدون المستعمر في دمشق فدخلوا الشاغور وحي الميدان و استولوا على مخافر الدرك و حاصروا ساراي في قصر العظم فقامت المدفعية الفرنسية بقصف المدينة لفك الحصار عن الجنرال (17) وفي وقت لاحق اثناء الثورة اعتقلت شخصيات في حلب مثل سعد الله الجابري و احمد الرفاعي ومنير العمادي وغيرهم فتظاهر الناس, فأطلقت حامية القلعة النيران عليهم فقتلت منهم ما ينيف عن 80 شخصا و جرح 200 و أنزل الجنود الى الشوارع ليعملوا سيوفهم في المتظاهرين حتى شتتوا شملهم (18) . لكن هناك جانب آخر في أن سبب الثورة هو الشيخ (بدر الدين الحسني) الذي يقول عنه الاستاذ(محمد رياض المالح) "لقد رحل مولانا المحدث الاكبر ضمن المدن الشامية يحض الناس على الثورة ضد الفرنسيين ,حيث زار حمص و حماه و ادلب و بعلبك و بيروت و ريف دمشق في الفترة ما بين 7/6/1925 حتى 28/6/1925 حيث عاد من حلب في ذلك التاريخ, و بعد ان اشتد العدوان الفرنسي هدد الثوار بإعلان خلافة إسلامية تحت لواء (بدر الدين الحسني)(19) ,و يضيف الشيخ (علي الطنطاوي) رحمه الله قائلا "وكانت هذه الجولة (أي جولة الشيخ الحسني) الشرارة التي اشعلت الثورة , ولا اقول هذا من عندي ولا نقلا عن الثقات العارفين فكلهم يعرف هذا , ولكن انقله عن تقرير رسمي لمندوب المفوض السامي نشرته جريدة (الأحرار) في بيروت العدد 678 الصادر في الثاني من شعبان سنة 1354 هـ و قال الشيخ محمد (ربما يقصد الشيخ محمد رشيد رضا) في مذكراته وقد وضعت كلامه بين قوسين ((وصار تشكيل جماعات لأجل ان تقوم البلاد بمساعدة بعضها البعض على الفرنسيين ,وانا العبد الفقير كانت وظيفتي ان احمل مصحف و خنجر و نحلف الناس , والله حلّفت مقدار 4 الاف من صنف الزكرتية و الرجال المشهورة مثل ديب الشيخ و أبو شاكر القلعجي من العمارة و حسن الخراط و ابو حامد الفحل و ابو عنتر من الشاغور , و عبدالوهاب الرجلة والاغواني من سوق ساروجا و ابو داوود الشيخاني و ابو عمر ديبو من حارة الأكراد)) هؤلاء الذي سماهم فتوات الاحياء كما يقال في مصر او القبضايات كانت لهم مزايا الفرسان ينجدون الضعيف و يمنعون الظلم و يحمون اعراض النساء"  (20) , ويؤكد (اسعد الكوراني) هذا الكلام قائلا في مذكراته " وذكر لي صديقي المرحوم صبحي قناعة لما تعرفت إليه حينما اخذت ازاول المحاماة ,وكان قد رافق اباه في معركة الجهاد أن أباه قد اشترك فيها ديانة على انه فريضة مفروضة على المسلم , وروى لي ما ذكرته عما وقع في ساحة المعركة وكان قليلا من كثير . ويبدو أن هذا الذي جرى في حلب هو ما جرى في سائر المدن السورية بشيء من الفروق ولا سيما دمشق , و قال المرحوم صلاح الدين الخطيب وكان من القضاة انه اشترك في حرب ميسلون على اساس ان الجهاد من فرائض الدين الاسلامي و كان كثيرون مثله , أما المسيحيون فلم يشتركوا في شيء من القتال "(21) و للحقيقة فإن الجوامع و خطب الجمعة و دروس المساجد كانت المحرك الرئيسي في الثورة حيث ان عامة السوريين لم يكن لديهم اهتمام بالفلسفة القومية و نظرياتها.

و هكذا انتهت ما يعرف بالتاريخ بالثورة السورية الكبرى في اواخر سنة 1926 بعد احتلال القوات الفرنسية لاحقا لمراكز الغوطة و هروب الشهبندر لمصر مع بعض اعضاء حزب الشعب , كما هرب ايضا سلطان الأطرش للاردن حيث اعطاه هناك امير الاردن عبدالله لقب (باشا) و احتفل به(22) .

سلطان الأطرش و صديقه عبدالرحمن الشهبندر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق