الثلاثاء، 2 يوليو 2013

سوريا 1954-1958 ,سراب الحياة الدستورية يعود ,بينما النار تشتعل تحت الرماد



بعد خروج الشيشكلي من سوريا , تم حل حزب (التحرير العربي) و التخلص من كل ما كان له علاقة بالحكم السابق , و نشبت مظاهرات في سوريا ,ظاهرها الاحتفال بذهاب الشيشكلي و باطنها كان اعمال شغب حيث حطم زجاج مبنى الحكومة بالحجارة و هوجم مبنى محافظة دمشق فاصطدم الدرك مع المتظاهرين الذين سقط عدد منهم جرحى و أعلنت القوانين العرفية حتى استتباب البلد (1) . و شكل (هاشم الاتاسي) بعد 5 ايام من ذهاب الشيشكلي , في 1/3/1954 وزارته برئاسة (صبري العسلي) الذي كان قد اتفق مع الدروز من اجل الاطاحة بالشيشكلي و اعطيت وزارة الخارجية ل(فيضي الاتاسي) و تولى (حسن الاطرش) وزارة الزراعة وقد استلم من قبل وزارة الدفاع (لا نعلم علاقة الاولى بالثانية) بينما تولى الشاعر النصيري (محمد سليمان الأحمد) وزارة الصحة !! و لكن هذه الحكومة لم تدم طويلا , فلم يكن منها بعثيين فثار (أكرم الحوراني) عليها بمساندة الجيش و دعى لتشكيل حكومة حيادية (2) وبالفعل عيّن (سعيد العزي) كرئيس للوزراء و شكل حكومة مصغرة , و استقبلت دمشق (شكري القوتلي) الذي عاد من منفاه في مصر في 7/7/1954, وسببّ ذلك ارتفاع اسهم (الحزب الوطني) فاشتدت المنافسة بينه و بين (حزب الشعب)  مما أدى لاضعافهما و سقوط هيبتهما ,وبالنتيجة صعود اسهم الاحزاب اليسارية التي عرفت بالاحزاب (التقدمية) (3) فظهرت على السطح لأول مرة مصطلح (تقدمي) و (رجعي).عندما اقيمت الانتخابات البرلمانية ,حدثت ما يمكن اعتباره كارثة سياسية , حيث لم يستطع أي حزب تشكيل اغلبية في تلك الانتخابات. 
أكرم الحوراني رئيس الحزب العربي الاشتراكي سابقا

ضعف الاتجاه اليميني للحزاب السورية المتمثل بحزبي (الوطني) و (الشعبي) , ففي الانتخابات البرلمانية لم يستطع أي من الحزبين تحقيق اغلبية ولو بسيطة , فمن أصل 142 نائبا كان عدد المستقلين فيه 55 ! بينما حصل حزب الشعب على 32 مقعدا و الوطني على 25 , وكان هناك 12 نائبا نصيريا 5 منهم ابناء مشايخ (4). كان لعجز الاحزاب اليمينية على تحقيق اغلبية قد تبعه فشل آخر في توحيد جهودهم ضد المد اليساري الاشتراكي الذي أخذ بالتصاعد بشكل مضطرد بعد ان بدأت بذور الاشتراكية بالنمو في المنطقة العربية , حيث اخذ حزب البعث بتنظيم الاضرابات العمالية في دمشق وحلب وكان له نفوذ بين العمال و صغار الكسبة , وكانت الحركات اليسارية والاشتراكية في سوريا اقوى فيها من أي بلد عربي آخر (5) وربما كان من أكبر الادلة على ذلك هو ان نائب دمشق في البرلمان كان الشيوعي (خالد بكداش ) الذي اثار انتخابه القلق في الاوساط الغربية , وتعيين البعثي (صلاح البيطار) وزيرا للخارجية , و لعله احد اسباب دعم أمريكا لمحاولة انقلاب فاشلة وساذجة أدت لطردها من سوريا و ارتماء الاخيرة في احضان المعسكر الشيوعي . 
 
صلاح البيطار وزير الخارجية
بعد نجاح الانتخابات , استقالت حكومة الغزي و جاءت مرة أخرى حكومة (صبري العسلي) الذي تعاون معه النصيري البعثي (وهيب الغانم) في انشاء الوزارة, وذلك في 1955/2/13  , وتم تعيين الغانم بدلا عن سلفه (محمد سليمان الاحمد) في وزارة الصحة مرة أخرى , في حين تولى العسلي وزارة الداخلية بالاضافة لرئاسة الوزارة و تولى (خالد العظم) وزارة الخارجية و وزارة الدفاع , ولم يكن العظم ليستطيع الوصول لهذا المنصب دون دعم الجيش له بعد أن اخذ العظم يتقرب منه (6) وللعظم جملة قالها "العاقل اذا رأى تيارا فعليه أن يسبقه لا أن يسير بجانبه" (7) فكان العظم براغماتي في كل سياسته , ولكنه كان بالمثل رجلا اقتصاديا ماهرا. وظهر للعلن في 24/شباط فبراير 1955 (حلف بغداد) الذي ضم العراق و ايران و تركيا و باكستان وبريطانيا , و حاولت بريطانيا من خلاله بشدة ضم سوريا اليه لاستمالتها للمصالح البريطانية بدلا من المصالح السوفيتية . فجاء ردا عليه بعد شهر ونصف , مؤتمر (باندونغ) في اندونيسيا في 18 نيسان/ابريل 1955 لتشكيل ما يسمى ب(حلف دول الحياد) بمشاركة دول تميل نحو الاشتراكية اكثر من الرأسمالية , وكان هناك تقارب بين مصر و سوريا حيث وقعت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين في 26/2/1955 كانت بادرة للوحدة بين البلدين لاحقا , والفت لاحقا قيادة مشتركة بين البلدين في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1955 (8)لاحقا  اغتيلت أحد ابرز الشخصيات العسكرية في سوريا , ولم يكن ورائها سوى الباطنيين.

في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان 1955 , بينما الضباط المصريين و السوريين يشاهدون مباراة كرة قدم في اللاذقية ,سمع صوت اطلاق نار , وانبطح كثير من الضباط و اتجهت الانظار نحو مصدر الصوت فوجدوا صف ضابط سوري يشهر مسدسه ويطلق النار ليقتل ضابطا كبيرا , وبعد 3 رصاصات وجه مسدسه نحو صدغه و اطلق النار على نفسه. كان القتيل هو العقيد (عدنان المالكي). كان المالكي ضابطا ذا ميول بعثية , ذا نزعة قومية وطنية شديدة , شارك في انقلاب الزعيم , ثم بسبب تعاطفه مع البعث في عهد الشيشكلي احيل للتقاعد و أعيد لاحقا بعد اسقاط الشيشكلي (9) ,فكيف تم اغتياله؟. كان المالكي على خلاف شديد مع (غسان جديد)(شقيق صلاح جديد) الذي كان رئيس الجناح العسكري في (الحزب القومي) و في نفس الوقت مدير الكلية الحربية سنة 55-1954 (10) و سبب ذلك أن المالكي قد شعر بتغلغل اعضاء الحزب القومي بشكل كثيف في الجيش ,فقد كان هناك اكثر من 30 ضابطا و 100 صف ضابط في الجيش السوري ينتمون للحزب القومي , هذا غير المجندين و قام بتسريحهم جميعا و منهم غسان جديد نفسه الذي سرحه قبل اسبوعين من عملية الاغتيال(11) كان من المشاركين في عملية الاغتيال اغلبية ساحقة من النصيريين , فقد كان قاتل المالكي نصيري اسمه (عبد الرحيم يونس) انتحر في مكانه , و حكم بالاعدام حضوريا على كل من (بديع مخلوف) و (فؤاد جديد ,ابن عم صلاح جديد) و (محمد الدبوسي)و كلهم نصيريين بينما حوكم (غسان جديد شقيق صلاح جديد) بالاعدام غيابيا مع (جورج عبدالمسيح) و (سامي الخوري( اللذين هربوا الى بيروت (12) ومن الجدير بالذكر ان غسان جديد اغتيل في بيروت على يد مخابرات (عبدالحميد السراج) بعد سنتين في 1957 ,وفي تأبينه نقل عن صلاح جديد اخوه قوله "قتلوك فردا , سأقتلهم جماعات" . لاحقا تم استيعاب من لم تطله العقوبات من النصيريين القوميين بعد وساطات كثيرة من مشايخ الطائفة و مقدميها و ضباطها ليضمون داخل حزب البعث (13) و استمرت المحاكمات وقتا طويلا حتى انتهت بعد 14 شهرا في تموز/ يوليو 1956.
لم تكد تهدأ عاصفة اغتيال المالكي , حتى انتفضت البلاد على خلفية مؤامرة انقلابية لم ينقذها منها سوى الارادة الإلهية عندما نشبت حرب 1956 في العدوان الثلاثي على مصر.

العقيد البعثي عدنان المالكي


(ارتشيبالد روزفلت) كان مسؤولا رفيعا في السي آي ايه (شأن ابن عمه كيرميت) , وكان الاثنان حفيدا ثيودور رئيس امريكا السابق . كان كيرميت العقل المدبر لإسقاط حكومة رئيس الوزراء (محمد مصدق) سنة 1953 ,فدغدغ الامل ارتشيبالد بفعل مماثل في سوريا , وقد وجد هذا الاخير ضالته في (ميخائيل اليان) الذي كان وزيرا للخارجية فيما مضى . اجتمع اليان مع روزفلت و ايفلاند (عضو مجلس الامن القومي الامريكي) في دمشق في الاول من تموز/يوليو 1956 , كانت امريكا تخشى ان تتحول سوريا نحو المعسكر الشيوعي , فسأل روزفلت ما يحتاجه اليان لتطهير الحكم من الشيوعيين واعادته للمحافظين , فطلب منه المال لتجنيد الاناس اللازمين(14). تم الاتفاق بين المخابرات الامريكية و البريطانية على ان تعطى هذه الاموال عن طريق العراق الذي قدم مليون ونصف ليرة سوريا و تكفلت الولايات المتحدة بدفع ثلث المبلغ , وشحنت 2000 قطعة سلاح عبر القاعدة البريطانية في الحبانية بالعراق الى سوريا .
 وعندما عرض الامر على(حسن الاطرش) ابن عم (سلطان الاطرش) ووزير الدفاع سنة 1942 ,طلب 100 الف دينار مقابل مشاركته في المحاولة الانقلابية , لكن المبلغ كان كبيرا وبعد مفاوضات طويلة اتفق على ان يعطى 250 ليرة سورية عن كل مقاتل درزي يجنده ,وشحنت الاسلحة الى قواعد الحزب القومي السوري في لبنان بمعرفة رئيس الاركان اللبناني اللواء الدرزي (شهاب) . كانت الخطة تقتضي أن يقود الضابط النصيري (محمد معروف) التمرد من اللاذقية و يسانده (حسن الاطرش) في السويداء  بينما تزحف قوات الحزب القومي بقيادة (غسان جديد) الى دمشق لفرض الامن فيها و الزحف نحو حاميات حلب و حمص و حماه للسيطرة عليها , وتم الاتفاق على تنفيذ الانقلاب في رحلة القوتلي الى موسكو المقررة في 31 / 10/ 1956 (15). الجدير بالذكر أن كبار المنفذين هم النصيريان (محمد معروف) و (غسان جديد) و الشيعي من اصول لبنانية(محمد صفا) بالتعاون مع عضو البرلمان (حامد المنصور) نصيري من زعماء عشيرة المتاورة في قضاء مصياف (16) ويتحدث معروف عن اعتماده الكلي لتجنيد الانصار من النصيريين في جبلة و طرطوس من الذين خدموا سابقا في جيش الشرق , يقول في مذكراته "كانت الخطة تتلخص في أن بعض العشائر العلوية ستتحرك لمؤازرتنا في قضاء اللاذقية (عشيرتي النميلاتية والمتاورة) ولا سيما عشيرة سلميان المرشد وابنيه ساجي و فاتح) (17) ويقول (اكرم الحوراني) في مذكراته "لقد اكدت وثائق محكمة الشعب العراقية البعد الطائفي لهذه المحاولة الانقلابية, حيث  دار الحديث عن قيام اتصالات بين اللواء غازي الداغستاني من جهة, وغسان جديد ومحمد معروف بالإضافة إلى جورج عبد المسيح من جهة أخرى, لتسليح الموالين من الدروز والعلويين بهدف شل حركة الاشتراكيين والشيوعيين في الجيش السوري, وقد تسلم غسان جديد عدداً كبيراً من البنادق والذخيرة والأجهزة اللاسلكية والقنابل اليدوية وأرسلت كميات أخرى من الأسلحة إلى جبل الدروز (٥٠٠ بندقية  موزر ألمانية, ٤ رشاشات, قاذفتين فيات وآلاف الطلقات لهذه البنادق).وتولى الضابطين الدرزيين( حسن الأطرش) و(فضل الله جربوع) عملية نقل الأسلحة والتخطيط لعصيان شامل ضد الحكم في جبل الدروز "(18) . طلب اليان تسلمه مبلغ نصف مليون ليرة كمقابل لخدماته  بالاضافة لضمانة امريكية بأنه حكومة الولايات المتحدة سوف تدعم الانقلاب وتعترف به , وتم الاتفاق على ذلك , ولكن العدوان الثلاثي على مصر الذي حصل قبل يوم واحد فقط من تاريخ الانقلاب غّير الخطة كلها , يروي (ايفلاند) بنفسه ما حصل قائلا "في وقت مبكر من صباح الثلاثين من الشهر ظهر ميخائيل اليان وهو في حالة اضطراب شديد عند باب المنزل صارخا "الليلة الماضية غزت اسرائيل مصر وهي في هذا الوقت تتجه نحو قناة السويس! كيف خطر لكم ان تطلبوا منا الاطاحة بحكومتنا في نفس اللحظة التي تشن اسرائيل فيها حربا على دولة عربية؟؟" (19) .
الدرزي حسن الاطرش



لقد أدى فشل الانقلاب الى نتائج عكسية ,فبدلا من الاتجاه نحو اليمين أو الغرب , ازداد انحراف البلاد نحو اليسار اكثر. فقد اكتشفت مؤامرة اخرى في 3 نوفمبر سنة 1957 ولكنها فشلت (20) اما كيف تم ذلك ,فهو بطريقة اقرب للسخرية منها للحرفية . فبعد فشل الانقلاب الاول ,حاول الامريكيون تدبير مسرحية ثانية و استدعوا لها أمهر العملاء , يقول (وليم بلوم) بأن ارتشيبالد تم استبداله بابن عمه كيرمت  (الاكثر خبرة) حيث قام هذا الاخير بجلب من اسماه (بلوم) ب"أسطورة العمل السري في وكالة الاستخبارات المركزية" و اسمه (هاورد روكي ستون) و كان أبرز انجازاته مساهمته في اسقاط الحكومة الايرانية . وبالرغم من كل هؤلاء المهرة , فقد انكشفت محاولتهم الانقلابية ببساطة فاضحة ,حيث ذهب الضباط السوريون الذين تم الاتفاق معهم على الانقلاب الى (عبدالحميد السراج) و سلموه الاموال من تلقاء انفسهم و أفشوا اسماء ضباط وكالة الاستخبارات المشاركين , فطردوا جميعا مع البعثة الدبلوماسية الامريكية في شهر آب/اغسطس من 1957 , فقامت امريكا بالرد بالمثل فطردت السفير السوري و السكرتير الثاني (21). یقول خالد العظم عن ھذه المؤامرة:“أولى تلك المؤامرات اكتشفت في أواخر عام1956 م، إبان حوادث قناة السویس، فألقي القبض على النائبین منیر العجلاني وعدنان الأتاسي وآخرین، وحكمت المحكمة المؤلفة برئاسة عفیف البزري بالإعدام على الأتاسي وسامي الحكيم ، وعلق التنفیذ على  تصدیقه من قبلي باعتباري وزیرا لًلدفاع وتشاورت مُع القوتلي وعبد الناصر حیث كنا في مصر واتفقنا على استبدال ذلك الحكم بالأشغال الشاقة ، وكان بطل حلف بغداد في سوریا، وعمیل نوري السعید، ھو (مخائیل إلیان) الذي ھرب إلى لبنان عند اكتشاف المؤامرة، ولحق به كثیرون كفیصل العسلي ، وتشكلت في بیروت كتلة من المدنیین والعسكریین السوریین، راحوا یمدونھم بالأموال الطائلة وبالأسلحة والذخائر، وقد اشترت ھذه الكتلة عددا مًن النواب ومشایخ العشائر، وتحالفوا مع جماعة الحزب القومي السوري، وبدأوا محاولات لتألیب أركان الجیش السوري . (22) وانتهت قصة مؤامرة  1956 و 1957. 
آرتشيبالد روزيفيلت

كان لكشف مؤامرة انقلاب 56 دور كبير في ازدياد تفتت الضباط و تشرذمهم بدلا من تكتلهم. فقد وسّعت تلك الحادثة الهوة اكثر بين السياسيين و العسكر. وبالاخص بين حزب الشعب الذي كان لانكشاف احد اكبر رموزه (ميخائيل اليان) في عملية الانقلاب ,دور في انخفاض اسهمه اكثر (بالطبع كان الحزب الوطني هو الآخر متورطا بقيادة صبري العسلي لكن لم يتم كشف ذلك الا ايام الوحدة) . و ازداد البعد بين العراق الهاشمي و سوريا بسبب تورط الاول بمحاولات قلب نظام الحكم في سوريا , حتى ردت سوريا بتدمير خط انابيب للنفط العراقي محدثة ازمة اقتصادية كبيرة للعراق تمثلت بخسارة يومية قدرت بحوالي 750 الف دولار (23) وذلك عام 1957 . و أعلن الاتحاد السوفيتي عن اكتشافهم لمخطط رأسمالي امبريالي يهدف لقيام تركيا بالهجوم على سوريا , فاهتاجت البلاد اكثر , يقول المؤرخ (بشير زين العابدين) " كان من المفترض أن تدفع هذه الأحداث الإقليمية والدولية والتحديات التي  واجهت الكيان السوري بضباط الجيش أن ينبذوا خلافاتهم ويتحدوا لدرء هذه الأخطار, ولكن الذي وقع كان على النقيض من ذلك تماماً; فقد انعكست الخلافات الإيديولوجية والسياسية على المؤسسة العسكرية بصورة ملحوظة, وانقسم ضباط  الجيش إلى فئات سياسية متصارعة "(24) يحكي احد ضابط تلك الفترة قائلا "لقد كنا ننام بعيون مفتوحة ,كنا نتوقع يوميا انقلابا من الضباط الحزبيين , كنا ننام دوما في الثكنات و قطعاتنا مستنفرة و ايدينا على الزناد" (25) .
في تلك الفترة كانت سوريا قد سقطت سقوطا مدويا في المعسكر الاشتراكي , و حاول القوتلي رئيس الدولة بقوة أن يعيد دفة البلد نحو اليمين , لكنه لم يستطع , بسبب تغلغل اليساريون بشكل فاحش في الجيش . فقد تولى رئاسة الكلية الحربية في حمص آنذاك (أمين الحافظ) , الذي في أحد لقاءاته الصحفية أكد فيها أنه لم ينتسب لحزب البعث أبدا ,لكنه كان متعاطفا معه بشدة , لكنه  كان ينسّب الضباط حسبما كان يأمره أكرم الحوراني (26) بل انه كان يخصص عدة ساعات يوميا لتدريس الاشتراكية ,وهو امر ممنوع على الضباط ,لكن الحالة الهزيلة للسياسيين كانت اكبر العوامل التي ساهمت في انتشار فوضى قرارات العسكرييين , وربما اجل الامثلة على ذلك التمرد الذي حصل في قطعة قطنا  ,حيث حاول الضابط (عبدالغني قنوت) الاشتراكي احتلال تلك القطعة العسكرية التابعة للضابط (أحمد حنيدي)  الذي كان من الضباط الحياديين , ولكن (طعمة العودة الله) قام باستنفار قطعته العسكرية لاعادة القطعة العسكرية لصديقه حنيدي , فتدخل الضابط (امين النفوري)  لفض النزاع , فتمت المحاصصة في الجيش بين كتلتي مؤيدي الاشتراكية و معارضيها(27) و جاء إعلان (ايزنهاور) في الخامس من كانون الثاني /يناير سنة 1957 ليزيد من تشدد الاشتراكيين و الشيوعيين و باعتبار ان امريكا الداعم الاكبر لاسرائيل في ذلك الوقت (بالرغم من ان الشيوعيين بقيادة جوزيف تيتو رئيس يوغسلافيا كانوا يسلحون اسرائيل) , كثرت الحملات الدعائية للوقوف ضد الامبريالية و الرأسمالية , و الامر الذي اسقط سوريا كليا في المعسكر الاشتراكي هو توجه وزير الخارجية خالد العظم الى جنيف من اجل شراء اسلحة من المعسكر الغربي لسوريا , لكنه انتظر 4 ايام دون أن يرد عليه أحد من ممثلي الدول الغربية ,فاضطر للذهاب للمعسكر الشيوعي في موسكو (28),فوصمت سوريا بوصمة الاشتراكية كليا , واقتربت من الوحدة مع مصر أكثر فاكثر.


 
جلسة مشتركة بين الحكومة و الجيش سنة 1958


بدأ اقتراب سوريا من الوحدة مع مصر عن طريق اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت في اوائل سنة 1955 , و  مشاركة سوريا و مصر مؤتمر (دول عدم الانحياز) في باندونغ و تشكيل القيادة السورية المصرية المشتركة  في 6/10/1955 , ولاحقا وقعت سوريا مع مصر اتفاقيات اقتصادية في 4/9/1957 زادت من تقارب البلدين(29) وكان العدوان الثلاثي على مصر و تأميم قناة السويس قد جعل عبدالناصر الرجل الاكثر شهرة في العالم العربي بعد تسليط الاضواء عليه .ولكن الوحدة مع مصر لم تكن في واقع الامر قرارا اتخذه السياسيون ,بل يمكن تشبيهه بإنقلاب عسكري من نوع جديد ,فقد كان الضباط هم من بادروا في طلب الوحدة مع عبدالناصر , ولم يكن السياسيون الا صدى لآراء العسكريين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق