البلاغ رقم 1 "اليوم فتحت
صفحة جديدة في
حياة الشعب العربي
في سورية, وطويت صفحات, فتحت صفحة مجيدة
لتسجيل البطولات
والأمجاد, وطويت صفحات
ملأى بالذل والعار لقد رأى
الجيش السوري الباسل ما
آلت إليه حالة
البلاد من فوضى
فأبت عليه وطنيته
وكرامته أن يقف
مكتوف الأيدي, وأبت
على أبنائه نفوسهم
النبيلة أن يرضوا
بالذل والعبودية والفناء مصيراً
لأمة عظيمة كتب
لها المجد والخلود. فصمم على أن
يقف هذا الموقف الشريف,
ويتدخل ليعيد الأمور
إلى نصابها ,اليوم شقت الطريق
أمام الشعب العربي
في سورية للسير
قدماً إلى الأمام
في سبيل تحقيق
رسالته الخالدة
"(1) , كان هذا اول بلاغ رقم (واحد) في تاريخ سوريا والشرق الاوسط , توالت من بعده البلاغات رقم
(واحد) واحدا تلو واحد .
الساعة الثانية فجرا من صباح
يوم الأربعاء 30 آذار /مارس 1949 , تحرك رتلان مدرعان من الجبهة السورية
الفلسطينية بإتجاه دمشق , كان الرتل الاول بقيادة العقيد (أديب الشيشكلي) و الثاني
بقيادة المقدم (محمود شوكت) وكان بإنتظارهما الزعيم (حسني الزعيم) على ربوة دمشق
ليعطيهما اوامره , بينما ارسلت وحدات بقيادة (إبراهيم الحسيني ) و(هاني الصلح) و
(عبدالغني قنوت) لاعتقال الرئيس و رئيس الوزراء و السياسيين البارزين , و في
الساعة 7 صباحا أعلن عن البلاغ رقم (1) و عقد الزعيم مؤتمرا صحفيا ساعده فيه عديله(نذير
فنصة)مدير جريدة (الف باء) ,قائلا أن الانقلاب سببه الهجمات المتكررة على الجيش (2) و قد سار الانقلاب بكل سلاسة و دون اراقة
قطرة دم واحدة ,وحبس رئيس الجمهورية في المستشفى العسكري لمرضه و سجن العديد من
السياسيين في سجن المزة العسكري ,بينما بقي بعض من رحبوا بالانقلاب والذين دعاهم
الزعيم للتباحث لتشكيل حكومة جديدة , كان من بينهم (ناظم القدسي)و (معروف
الدواليبي) و (عادل أرسلان) ,لكن كان هناك اسم بارز كان اكبر الداعمين للزعيم, بل
و كان المحرض على الانقلاب , الا وهو (أكرم الحوراني) الذي كان يخط البيانات حول
تمسك الزعيم بحقوق الانسان في حين كان يجول بباله أن الزعيم سيحقق له احلامه
الاشتراكية حتى عينه الزعيم مدير شؤون
الصحافة والاعلام في وزارة الدفاع(3) لكن الحوراني بعد بضعة اسابيع برز كأحد
المخططين للانقلاب على الزعيم مرة اخرى و سيرتبط اسمه بكل انقلابات سوريا حتى
هروبه منها.
نشرت جريدة التايمز اللندنية
بتاريخ 11/4/1949 أي بعد عشرة ايام على الانقلاب التعليق التالي "إن حسني
الزعيم قد بدأ في خطته لتنفيذ ارائه التقديمة , وانهى حكم العائلات الغنية في
سوريا ,وقضى على المحسوبية و الشفاعات و الرشاوى"(4) , فما الذي حدث حقا؟.
تشير تقارير مرفوعة من السفارة الامريكية في دمشق الى وزارة الخارجية الامريكية أن
الحكومة الامريكية كانت على علم بانقلاب وشيك سيقوده الزعيم , وذلك من خلال
محادثات مساعد المحلق العسكري الميجور (ميد) مع الزعيم (حسني الزعيم) , ونقل
الزعيم لمترجم المفوضية الامريكية السيد (غميان) في يوم الانقلاب عزم بلاده على
التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة ,ففهمت الحكومة الامريكية ان الزعيم يبحث عن
نوع من الاعتراف بإنقلابه , وطلب من امريكا ايضا التأكيد على ان (تل أبيب) لن
تتحرك اثناء الانقلاب . ولكن لمَ ترغب التحرك بينما هناك من يقوم بخلخلة الاوضاع
اصلا في سوريا؟(5) لم تكن العلاقة قبل حرب 48 سيئة مع أمريكا ,حتى أن (شكري
القوتلي) في اكتوبرمن عام 1945 صرح في احد اجتماعاته مع وفد من اعضاء الكونغرس
بأنه "لا توجد دولة ترغب سوريا بالوصول الى أفضل صيغ التعاون معها من الولايات
المتحدة الأمريكية" (6) لكن الدعم الامريكي اللامحدود لإسرائيل التي خرجت من حرب
48 منتصرة غيّرت من المشهد السياسي.
حسني الزعيم يحيي احد الضباط |
عيّن (حسني الزعيم) (محسن
البرازي) كرئيس للوزراء ,فقد كانت علاقة (محسن البرازي) حسنة جدا مع الزعيم , فهو
السبب في اخراجه من السجن و اقناع القوتلي بتعيينه في قوى الامن الداخلي , ولكن
البرازي حاول اقناع الزعيم بإعادة القوتلي للرئاسة و التراجع عن قراره او حتى
اعطاءه صلاحيات يحكم من خلال القوتلي بدلا من الوضع الحالي لكنه لم ينجح (8) فاستطاع
الزعيم أن يضغط على القوتلي ليستقيل ويكتب استقالته وهو في المستشفى بتاريخ
6/4/1949 وفي اليوم التالي قدم خالد العظم استقالته هو الآخر(9) .
بالنظر لسياسات (حسني الزعيم) تعتبر فترته نشطة
جدا , فهو كان معاديا للمشروع الهاشمي بشدة , ومن اجل اثبات ولائه للولايات المتحدة
قام بزج الشيوعيين بالسجون . كذلك كان أول من ساوى بين المرأة و الرجل في الحقوق و
الواجبات الامر الذي سبب هزة عنيفة في المجتمع السوري المحافظ , كما أنه جعل
التعليم إلزاميا و مجانيا , وألغى نظام الطائفية , وقام بترفيع اصدقائه من الضباط
كان على رأسهم زميله (سامي الحناوي) الذي رفعه لرتبة زعيم (عميد) و تسريح اخرين
اتهمهم بالفساد ,وفي 16/7/1949 قام باستفتاء شعبي فاز فيه برئاسة الببلد بنسبة 99%
, وقام بجلد 12 خبازا امام افرانهم لادانتهم ببيع الخبز المغشوش , وقام بتوقيع
اتفاقية انابيب التابلاين كما الغى الطربوش و الرتب المدنية, و أعلن سخطه على الزي
العربي التقليدي , وانتشرت النساء المتحررات في النوادي الليلة يرقصن على الموسيقى
الامريكية (10), لكن ربما كانت احدى اكبر اخطاء الزعيم التي ادت لمقتله هي تسليم
(انطون سعادة) زعيم الحزب القومي السوري الى لبنان الذي اعدمه في 8/7/1949 بعد اعن
اعطاه الامان ,وبسبب ذلك نقم عليه الدروز بشدة الذين كان معظمهم ينتمي للحزب
القومي .
اسقاط الزعيم , ساعد (حسني الزعيم) في انقلابه مجموعة
من الضباط كان أهمهم 4 ضباط مسيحيين (بهيج كلاس) (آرام كره موكيان) (باصيل صوايا)
(انطون البستاني) و ضابط نصيري (عزيز عبدالكريم) و شيعي من لبنان (محمد صفا) و كان
الاكثرية الباقين من الاكراد او ذوي الاصول الكردية (سامي الحناوي) (اديب
الشيشكلي) (محمود شوكت)(بكري قوطرش) (رفعت خانكان) (11) , وكان معظم هؤلاء شاركوا
لاحقا في الانقلاب عليه , لكن كيف حصل ذلك ؟. استطاع الزعيم كسب عداوة الهاشميين
في العراق و الاردن بعد رفضه لمشروع الهلال الخصيب و تقاربه اكثر من السعودية و
القاهرة العدوتان الرئيسيتان للملك عبدالله بن حسين و نوري السعيد , كما اثار نقمة
الدروز بعد تسليمه ل(انطون سعادة) والتسبب في اعدامه و كذلك لريبته في الدروز حيث
كان يخشى من بريطانيا ولا يثق بها ويشعر بأنها تحيك المؤمرات ضده ,فأرسل الوحدات
العسكرية نحو جبل الدروز تحسبا لذلك , وكان الدروز يرون في هذا الامر تهديدا لهم (12).
فدبرت الحكومة العراقية انقلابا على حسني الزعيم لم يكن قائده سوى (سامي الحناوي)
نفسه و صديق الزعيم (بهيج كلاس) وكان الدروز رأس حربة التنفيذ حيث ابرز اسمين
ارتبطا بمقتل الزعيم هما (فضل الله ابو منصور) و (امين ابو عساف) وكان هؤلاء
يتحركون بتحريض مباشر من (اكرم الحوراني) نفسه .
في ليلة 14 آب/اغسطس 1949 تمت
رشوة رئيس الحرس الخاص بمنزل الزعيم وهو النقيب (خالد عيسى) بمال كثير سلّمه له
الضابط (عصام مريود) المتعاطف مع الحزب القومي , واتجه الملازم اول(فضل الله ابو
منصور) وكان من الدروز الناقمين عليه , بقواته نحو منزل المشير الزعيم ,فوجده
بملابسه الداخلية في الصالون فصفعه على وجهه بلؤم واتهمه بالخيانة و اعتقل ايضا معه
رئيس وزرائه (محسن البرازي) من منزله ,وبينما هما على طريق المزة الصحراوي شاهد
البرازي مفرزة الاعدام فانهار من رعب المنظر وقال له الزعيم بالفرنسية "كن
رجلا ,الموت واحد"(13) , يروي صبري العسلي القصة قائلا "عندما نزل
الزعيم و البرازي من السيارة على طریق المزة
المقفرة
لإعدامهما،
قال
للجنود
الذين
أشهروا
رشاشاتهم و بنادقھم: أنا حسني
الزعيم،
أنا
الذي
جعلت
لكم
كرامة،
وللجيش
ھیبة،
أتقتلوني
بدلا
من
قتل
هؤلاء
الكلاب
السكارى ؟! و بالفعل ادار الجنود اسلحتهم نحو الضباط واشتبكوا بالايادي , ثم
انهمرت النيران على الزعيم و البرازي و استمر اطلاق النار زهاء 5 دقائق كاملة كان
الرصاص خلالها يخترق جسمه كخيط من نار , ثم داس الضباط جثته (14) يقول (حسن الاطرش)
في دفاعه عن الدروز قائلا ”لم أوافق
على
مقتل
حسني
الزعيم،
وبكفي
أن
يقبض علیه
و يودع
السجن ولكن الحوراني
قام
من
وراء
ظهري
بعقد
اتفاق
مع
عدد
من
الضباطا لدروز الذين كان
لمعظمهم
صلات
بالحزب
القومي
السوري،
وكان
لدیھم
سببان
للسعي
إلى
الانتقام،
وذلك
أنهم
دروز
وقومیون
سوریون
متحمسون
للثأر
"(15) وانكشف دور الهاشميين في دعم الانقلاب حيث كانوا اول من ارسل وفود
التهنئة والاعتراف و سرت في الصحافة اخبار أن مقتل الزعيم و البرازي لم يكلف حكومة
(نوري السعيد) سوى 100 الف دينار (16) لتنتهي صفحة (حسني الزعيم) الذي كان (قابيل) انقلابات
سوريا ,ففتح الباب لمن بعده للقيام بالانقلابات تلو الانقلابات .