الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

الجزء التاسع – صراع الطوائف الباطنية (عندما لا تجد النار ما تأكله)



بعد التخلص من امين الحافظ في 23/2/1966 و التخلص من المزيد من الضباط المسلمين اما تسريحا واما اعتقالا بتهم الانقلاب, تم تعيين حافظ الوحش بمنصب وزير الدفاع ,وقد أثار هذا الامر حفيظة الدروز كثيرا فقد كانوا يتوقعون ان يتم اعطاء هذا المنصب للدرزي (حمد عبيد) خاصة وانه شغل هذا المنصب ايام حكومة يوسف زعيّن و كان هو من ابرز اعوان صلاح جديد ,ولكن صلاح جديد لم يعد بحاجة إليه , و زاد من حنقهم عدم تعيينه في القيادة القطرية ,فقام بتخطيط لانقلاب فشل فيه و ادى لاعتقاله هو و المشاركين معه بعد 4 شهور من الانقلاب الاول في الاسبوع الثاني من شهر حزيران/يونيو 1966 (1)
اللواء فهد الشاعر
وتفاصيل ذلك انه بالاضافة لما حصل للشاعر, كان الامر نفسه بالنسبة لسليم حاطوم الذي كان له الدور الاكبر في اعتقال امين الحافظ (والذي راسله سرا لاحقا عندما طرد سليم حاطوم الى الاردن من اجل التخطيط لانقلابه) ,تم توجيه النقد الشديد إليه بسبب القسوة المفرطة في اعتقال امين الحافظ ,ما ادى لضعف موقفه الحزبي (2) و بالتالي لم يتم انتخابه عضوا في القيادة القطرية فقام بالاتصال بحمود الشوفي (درزي شغل منصب الامين العام للقيادة القطرية من عام 1963 حتى شباط/فبراير 1964) و بدأ العمل بتأسيس تنظيم عسكري سري بقيادة فهد الشاعر قائد التنظيم العسكري للقيادة القومية و ذلك من اجل التخطيط لانقلاب على صلاح جديد والقيادة القطرية لكونها اصبحت حكرا على النصيرية وانضم إليهم لاحقا المقدم الدرزي طلال أبو عسلي(3), و لم يكن في هذا التنظيم العسكري نصيري واحد ويقول منيف الرزاز الذي اتهم بالطائفية بعد ان هرب للأردن "كان هناك في التنظيم المدني العديد من العلويين وعندما بدأنا التنظيم العسكري أصر الشاعر بعدم قبول علوي واحد فيه وخشي من اشتراكهم فيه حتى لا يكشف امر التنظيم لأن الروابط العلوية كانت في اوج قوتها تأييدا لصلاح جديد و حافظ الاسد" (4) واحتد الصراع بين القيادة القومية و القيادة القطرية للحزب واصبح كل عضو يحدد موقفه على اساس طائفي صرف, الامر الذي مكن لسليم حاطوم السيطرة على فرع الحزب في جبل حوران و مركز القيادة القومية العسكري في جبل الدروز (5) . 
في 10/8/1966 اكتشفت القيادة القطرية بالصدفة مخطط الانقلاب وتمكنت تدريجيا من معرفة اسماء المتورطين فيه, كان فهد الشاعر قد اختار 3/9/1966 موعدا للانقلاب و لكن المخطط كان قد تكشف جزء كبير منه فطلب الرزاز من الشاعر الاختفاء وقطع اتصالاته بحاطوم(6) ,لكن حاطوم مضى في مخططه و قام بانقلاب في 8/9/1966 ولكنه فشل فهرب سليم و طلال ابو عسلي و تم تسريح فهد الشاعر و ابعاد عشرات الضباط الدروز عن الجيش وشل حركة التنظيم في جبل الدروز وفي عام 1976 لاحقا حوكم الكثير منهم بتهمة التخطيط للاطاحة بنظام الحكم والتحريض على السلطة فتم اعدام البعض و سجن الباقين و ابعادهم لمواقع غير مهمة (7).ونتيجة لفشل انقلاب حاطوم وابعاد الكثير من الدروز هدد اعضاء الحزب في جبل الدروز في مذكرة ارسلوها للقيادة القطرية تجاهل أي اوامر تصدر من القيادة القطرية فاتجه رئيس الدولة (نور الدين الاتاسي) والامين العام المساعد (صلاح جديد) و العضو الدرزي الوحيد في القيادة القطرية (جميل شيّا) للسويداء لتقصي الامر ,وقام حاطوم باحتجاز الاتاسي و جديد كرهائن و لم يعتقل شيّا الذي كان الوسيط بين حاطوم و جديد(8) وتمت المفاوضات الهاتفية بين حاطوم و حافظ الوحش و لكن حافظ رفض جميع مطالب حاطوم وهدد بقصف السويداء بعد ان ارسل وحدات عسكرية اليها(9) و نظرا لخطورة الموقف قرر حاطوم و ابو عسلي الفرار للأردن تفاديا لاشتباك مسلح كما يقول ابو عسلي وحصلا لاحقا على حق اللجوء السياسي هناك(10) وتم اتهام سليم حاطوم بأنه جاسوس للرأسمالية و الرجعية في المؤتمر القطري الذي عقد لاحقا.
ولكن حاطوم لم يسكت ,فعقد مؤتمر صحفي في عمان بعد 5 ايام من فشل انقلابه في 13/9/1966  اتهم فيه صلاح جديد و حافظ الوحش بالطائفية وانهم يقودون البلاد لحرب اهلية وان نسبة العلويين في الجيش اصبحت 5 لواحد من جميع الطوائف الاخرى.(11) و صرّح طلال ابو عسلي في ذلك المؤتمر ايضا بأن العلويين يديرون البلاد كما يديرون أي شأن يخص طائفتهم حتى نساء العلويين بتن يعرفن الترقيات والاعتقالات قبل ان يعرفها المسؤولين غير العلويين (12) وصرح حاطوم في 28/9/1966 "إن نية العلويين عقدت العزم على تنفيذ خطة طائفية لإقامة نظام علوي يحمل شعار دولة علوية ذات رسالة خالدة يلمع فيها صلاح جديد ونور الانوار إبراهيم ماخوس"(13).واستمر التضييق على الدروز فأرسل زعيم الطائفة الدرزية رسالة الى رئيس الاركان ووزير الدفاع حافظ الوحش رسالة يقول فيها ان الدروز يضربون عن الطعام و يحمّل فيها النصيرية نتائج هذا الوضع ,وأنه يمكنه طرد الخونة والغزاة ولكن عقيدة اهل الجبل هي الرادع الوحيد الذي يمنعهم من الثورة على حكومة عربية (14). وتم الحكم بالإعدام على الضباط الذين اشتركوا في الانقلاب اما سليم حاطوم فعاد الى سوريا بعد اندلاع حرب الجولان 1967 وتم القبض عليه و اعدامه بعد 16 يوما من بيع الجولان واعلان سقوط القنيطرة وذلك في 26/6/1967 .
اما الاسماعيلية فلم يكونوا بالعدد او الافراد الذين يمكنهم مقارعة النصيرية برغم الكراهية الشديدة بينهم . فقبل المؤتمر القطري الاستثنائي في اذار/مارس 1969 حاصر انصار حافظ الوحش مقر العقيد عبدالكريم الجندي الذي كان من اكبر المتحمسين لصلاح جديد و كان يشغل منصب رئيس الامن القومي و الاستخبارات العامة وقاموا باختطاف عدد من معاونيه وانصاره مما دفع بالجندي للانتحار , و تم لاحقا ابعاد احمد المير عن الجيش و السلطة و اصبح دور الاسماعيليين بعدها اكثر هامشية (15). و بذلك تم الانتهاء من التخلص من المنافسين الثانويين و البدء في التناحر العشائري بين عشائر النصيرية .
سليم حاطوم صاحب الانقلاب الفاشل -اعدم 26-6-1967


(1)         الصراع على السلطة في سوريا  -نكولاس فان دام ص 86 -90 ,مجلة الدعوة عدد 73 , الصحف الصادرة في تلك الفترة – التقرير الوثائقي لحزب البعث ص 104-108 , المؤتمر القومي التاسع ص 68-69 ,جريدة النهار 4/3/1966
(2)         جريدة النهار 1/3/1966
(3)         الصراع على السلطة في سوريا ص 89 , مقابلة للكاتب مع منيف الرزاز في تشرين الاول /اكتوبر     1974
(4)         مقابلة مع الرزاز في عمان 22/11/1974 و الصراع على السلطة ص84-85
(5)         مجلة الدعوة المصرية عدد 73
(6)         الصراع على السلطة ص 92
(7)         النصيرية دراسة تحليلية – ص 177-179
(8)         جريدة البعث 27/2/1967 , الحياة 13/5/1967
(9)         المناضل العدد التاسع شهر ايلول/سبتمبر 1966 ,جريدة المحرر 13/9/1966 , الصراع الى سوريا ص 94-95
(10)       المرجع السابق
(11)       جريدة النهار 15/9/1966.
(12)       السابق
(13)       جريدة الحياة 28/9/1966 , نور الانوار مرتبة نصيرية
(14)       نص البرقية في جريدة النهار 21/12/1966 , جريدة الحياة 5/3/1967
(15)       النصيرية دراسة تحليلية – ص 177-179

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق