الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

الدروز و التاريخ المخفي




كان للدروز (كشأن كل الاقليات الباطنية) حلم بتشكيل دولة مستقلة لهم  مثل النصيريين , و حصل هذا فعلا خلال الانتداب الفرنسي . و كانت عصياناتهم كثيرة جدا على الدولة العثمانية (شأنهم شأن النصيرية) ما انهك الدولة العثمانية وذلك بسبب دعم البريطانيين لهم.
فأيام الغزو المغولي تحالف الامير (جمال الدين) الدرزي مع القائد المغولي كتبغا ابن هولاكو عندما دخل دمشق ,وعندما جاء المماليك بقيادة الظاهر بيبرس رأى الدروز (كما يفعل الباطنيين) ان لا يضعوا بيضهم في سلة واحدة فقاموا بإرسال (الامير زين الدين) مع المماليك (1) و بعد انتصار المماليك لم يتعرضوا لمناطق الدروز, لكن بيبرس كان متشككها منهم فما ان وصله خبر اتصال امراء الدروز بوالي طرابلس الصليبي أمر بسجنهم ليتفرغ للصليبيين (2) قائلا بأنه لن يفرج عنهم و لا يؤذيهم حتى يفتح يفتح طرابلس و بيروت و صيدا (3) . وقد تم تسليم مدينة صيدا من قبل واليها الدرزي (عضد الدولة التنوخي) للصليبيين عام 504 هـ /1110 م الذين لم يواجهوا أي مقاومة تذكر اثناء مرورهم بالمناطق الدرزية اثناء زحفهم نحو بيت المقدس , بل انه في عام 528 هـ/1134 م قام الامير (بحتر بن شرف الدولة) امير التنوخيين بتهيئة سقوط غرب لبنان للصليبيين بسبب اما مهادنتهم احيانا والابتعاد عن محاربتهم او الوقوف ضدهم احيانا اخرى (4) .
في عام 1022هـ /1613 م ارسل العثمانيون حملة لتأديب الامير الدرزي (فخر الدين المعني الثاني) الذي كان يثير الحروب المحلية ضدها دوما ,خاصة بعد ان عقد اتفاقية مع دوق توسكانا الايطالي , فهرب (وهو الوالي المعين من قبل الدولة نفسها) الى اوربا تحت حماية سفينتين هولندية و فرنسية و سعى جاهدا في ايطاليا للحصول على تمويل من الفاتيكان واسبانيا و فرنسا لمحاربة العثمانيين لكنه لم ينجح (5) , وكان يعطف على الارساليات النصرانية في لبنان و فلسطين ويوصى بيها خيرا ما جعل الاوربيين يسمونه (حامي النصارى في الشرق) خصوصا تحالفه مع الموارنة هو ما قوى مركزه السياسي لاحقا مع اوربا .
ولم ينتهي الامر وقتها ,فقد كان تحالفهم مع البريطانيين من اجلى رموز الخيانة وابرزها في العصر الحديث ,في عام 1841 اعلنت بريطانيا حمايتها لمصالح الدروز في المنطقة  وقد وقفت معهم في تمردهم على الدولة العثمانية عام 1851 عندما رفضوا دفع الضرائب للدولة العثمانية و تدخلت بريطانيا لدى الباب العالي وحلت قضيتهم سليما , الامر الذي شجع الدروز لاحقا للاعتداء على جيرانهم المسلمين في قرى حوران عام 1880م دون خوف من العثمانيين  ,فقد هجم الدروز على قرية (الكرك و ام ولد) و ذبحوا سكانهما عن بكرة ابيهم , فسيقت حملة بقيادة (حسين فوزي باشا) قامت بجمع ديات القتلى فقط وذلك بالتقسيط و قسمت المنطقة الى 8 اجزاء (6) ,يقول مدحت باشا في مفكرته عام 1297 هـ/1880 "والذي زاد الطين بلة ان فرنسا تحمي المورانة و انجلترا تتشيع للدروز ,فلما أخذت الدولة اهبتها لتأديب الدروز قام سفير بريطانيا في استانبول يشتكي لدى الباب العالي ,فاصدرت الاوامر بأن تحل المشكلة سلميا"(7).
لم تكن حوران مركز ثقل للدروز فقد كانت نسبتهم فيها 12% فقط بل انه حتى  جبل الدروز الحالي ليس موطنا حقيقيا للدروز ,فبعد معركة عين دارة زادت هجرة الدروز الى حوران من لبنان, واجتمعوا تحت امرة بني حمدان و آل الأطرش ,فأخذوا يحاربون المسلمين و النصارى حتى استقلوا بالجبل تماما واخذوه لهم في عام 1860م ,واخذوا يغيرون بين الفترة والفترة على غوطة دمشق و حوران والمرج والناس يتخوفون منهم(8).فأرسلت الدولة عليهم (سامي باشا الفاروقي) الذي قتل منهم الف رجل واعدم بعضهم في دمشق و كان الصدر الاعظم العثماني امر بإنهاء عمل تلك العصابات فاعتقل الكثير منهم ونفي آخرون و اعد البعض ومنهم كان والد سلطان الأطرش , وقال سلطان الاطرش عن تلك الفترة بأنها (الخروج عن الخلافة و الكفر بالإسلام)(9) وقد حاولت الدولة اصلاح شأنهم وفت المدارس و نشر التعليم بينهم ,لكن لم يفد ذلك كثيرا حيث انهم كانوا يطالبون بالاستقلال دوما بحوران وذلك بمساعدة الانجليز (10) .
وبالنسبة للفرنسين فقد كان الجنرال الفرنسي غورو يتخذ حرسه الخاص من الدروز عن واسطة زعيمهم (متعب الأطرش)(11) وقد عين الفرنسيون (سليم بن يحيى الاطرش) حاكما على الجبل وهو الذي كان قبل ذلك معين من قبل العثمانيين قائدا في الجيش هناك ومسؤولا عن الجبل, فأسسوا لهم دولة ووضعوا لها علما وانشأوا مجلسا مضحكا معظم اعضائه اميين (12) ,وبالطبع لم يكن سلكان باشا الاطرش الا احد موظفي بريطانيا ومواليا شديدا لها . و كانت الثورة ضد الفرنسيين سببها ان فرنسا خرقت التقاليد الدرزية بعد ان قبضت على احد الدروز (ادهم الخنجر) الذي حاول اغتيال غورو  عام 1921 و ايضا نفي المندوب السامي (ساراي) لبعض زعمائهم الى تدمر ومحاولة القبض على سلطان الذي استنفر جماعته و بدأت المناوشات بينهم وبين الفرنسيين في تلك السنة ودخلت لاحقا في خضم الثورة السورية الكبرى عام 1925 ما جعل سلطان يهرب للاردن ,لكن لاحقا انقلب قادة الدروز ضد الثورة واعلنوا انضمامهم للفرنسيين (13) وتلك عادة الباطنيين في الغدر .

(1)    الحركات الباطنية في العالم الاسلامي ص 218
(2)    المرجعا لسابق 113-114
(3)    التنوخيون :اجداد الموحدين الدروز /نديم حمزة ص 110 ,دراسات في الفرق –عبدالله الامين ص 161
(4)    المصدر السابق ص 81-82-89 , اثر الحركات الباطنية في عرقلة الجهاد ضد الصليبيين :يوسف ابراهيم الشيخ عيد ص258-259
(5)    تاريخ الموحدين الدروز السياسي ص 133-136
(6)    خطط الشام –محمد كرد علي 3/102
(7)    المصدر السابق ص 103
(8)    المصدر السابق 107
(9)    1تاريخ سوريا "نهاية الحكم التركي" د.علي سلطان ص 110-115
(10)الحركات الباطنية في العالم الاسلامي .د.محمد احمد الخطيب ص 221
(11)تطور الحركات الوطنية في سوريا : د.ذوقان قرقوط ص 64
(12)المرجع السابق ص 48-49 ص66 .
(13)الصراع العربي الاسرائيلي ص55-57 و ص 60-61 وتطور الحركة الوطنية في سوريا ص 94

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق